في خطوة تصعيدية متوقعة، رفعت واشنطن قيمة المكافأة المخصصة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، من 25 مليون دولار إلى 50 مليون دولار، لتصبح بذلك أكبر جائزة مالية مرصودة على رأس زعيم أجنبي منذ أسامة بن لادن.
المدعية العامة الأميركية، بام بوندي، أوضحت في تسجيل مصور بثته عبر منصة “إكس”، أن تحقيقات وزارة العدل ودائرة مكافحة المخدرات ربطت مادورو بعصابات “ترين دي أراگوا” الفنزويلية و”سينالوا” المكسيكية، مشيرةً إلى ضبط 30 طنًا من الكوكايين الممزوج بالفنتانيل، والتي قالت إنها “ذات صلة مباشرة بشبكات يشرف عليها الرئيس الفنزويلي شخصيًا”.
كما أشارت إلى مصادرة أصول تجاوزت قيمتها 700 مليون دولار، من بينها طائرتان حكوميتان مسجلتان باسم الدولة الفنزويلية. ووصفت وزارة العدل الأميركية هذه الخطوة بأنها “تاريخية”، مدعية أن مادورو “أحد أهم بارونات الكوكايين في العالم”، وأن توقيت القرار يتماشى مع “مقتضيات الأمن القومي الأميركي”.
يعود استهداف مادورو قضائيًا إلى مارس 2020، عندما وجه الادعاء الفدرالي في نيويورك اتهامات ضده وضد قيادات فنزويلية عسكرية، بإدارة “كارتل دي لوس سوليس” بالتعاون مع حركة “فارك” اليسارية الكولومبية، واستخدام طرق التهريب البحرية والجوية عبر شمال فنزويلا وجنوب كولومبيا لتصدير الكوكايين نحو أميركا الوسطى، ثم الولايات المتحدة.
في ذلك الوقت، رُصدت مكافأة قدرها 15 مليون دولار فقط، لكن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفعتها إلى 25 مليونًا في يناير الماضي، بالتزامن مع تنصيب مادورو رئيسًا لولاية ثالثة، قبل أن تضاعف هذا الرقم إلى 50 مليونًا، مع إدراج عصابتي “ترين دي أراگوا” و”كارتل دي لوس سوليس” الفنزويليتين في لوائح الإرهاب.
من جانبه، وصف وزير الخارجية الفنزويلي، إيفان خيل، القرار الأميركي بأنه “رصاصة فارغة” واعتبره “سيركًا دعائيًا بائسًا”، متهمًا واشنطن بمحاولة صرف الانتباه عن “أزماتها الداخلية” عبر ابتزاز سياسي مفضوح، ومؤكدًا أن “كرامة الوطن ليست للبيع”. ورافقت هذا التصعيد الإعلامي من جانب النظام التشافيزي اتهامات للمعارضة بـ “التواطؤ مع العدوان”، في ظل حملة اعتقالات شملت اقتصاديين مستقلين وصحافيين، بتهم تتعلق بـ “زعزعة الثقة بالاقتصاد المحلي، والتنسيق مع عدوان اقتصادي خارجي”.
يرى خبراء في الشأن الفنزويلي أن القرار الأميركي يأتي في سياق تصعيد متوقع، بعد أقل من ثلاثة أشهر على فوز “تحالف التجمع الوطني البوليفاري” بقيادة “الحزب الاشتراكي الموحد” (PSUV)، بنسبة 82.6% من مقاعد الجمعية الوطنية، في انتخابات 25 مايو الماضي، وانتزاعه منصب الحاكم لـ 23 من أصل 24 ولاية في الاقتراع الإقليمي المتزامن، مما يفسح المجال أمام تشافيزيي البرلمان للمضي في التشريع لخطط النظام بلا معارضة تذكر، على الأقل حتى عام 2031.
إن فقدان نافذة البرلمان، الذي كانت المعارضة تسيطر عليه في دورة 2016-2021، أطفأ آخر رهان أميركي على إزاحة التشافيزيين عبر انقلاب مؤسساتي، مما يفسر توقيت مضاعفة الجائزة بعد أيام من افتتاح الدورة التشريعية الجديدة. واعتبر دبلوماسيون في “منظمة الدول الأميركية” أن واشنطن، من خلال ما قامت به، تبعث رسالة بأن صندوق الاقتراع الفنزويلي لم يعد معيارًا مقبولًا لشرعية النظام.
على صعيد آخر، يعود سعي الولايات المتحدة لإزاحة اليسار من السلطة في فنزويلا إلى تولي هوغو تشافيز الحكم عام 1998، وذلك بعدما اصطدمت فلسفة التحرر البوليفارية التي تبناها النظام بخطوط حمر أميركية: أولها، تأميم النفط وحصر الامتيازات بشركة النفط الفنزويلية الوطنية، مع فتح الحقول للاستثمار أمام الصينيين والروس على حساب الشركات الأميركية الكبرى؛ وثانيها، التموضعات الجيوسياسية المناهضة للهيمنة الغربية عبر التحالف مع طهران وموسكو وهافانا، وتوقيع اتفاقات دفاعية مع بكين؛ وثالثها، يتعلق بالنموذج الاجتماعي الاشتراكي القائم على إنفاق عوائد النفط على برامج التعليم والصحة والإسكان والتشغيل، مما خفض الفقر بين الفنزويليين إلى النصف في العقد الأول للألفية.
تنوعت أساليب الحرب الأميركية على كاراكاس، من دعم غير مباشر لانقلاب أبريل 2002، إلى عقوبات نوعية على مسؤولين بعد احتجاجات 2014، ثم منع وصول فنزويلا إلى أسواق المال في عام 2017، وحظر صادرات النفط الخام في يناير 2019، مما فاقم انكماش الاقتصاد بنسبة 86% بين عامي 2014 و2021. وعلى الرغم من رفع الولايات المتحدة الحظر مؤقتًا وبشكل جزئي عن تصدير النفط الفنزويلي في عام 2023 في ظل تعطش الأسواق الناجم عن الحصار على روسيا، أعيد تشديد الحظر هذا العام بالتزامن مع تهديد بفرض تعرفة 25% على الدول التي تستورد نفطًا فنزويليًا، ابتداءً من أبريل 2025.
يستعد الجمهوريون لخوض انتخابات الكونغرس الأميركي (2026) بخطاب متشدد ضد ما تبقى من “ديكتاتوريات يسارية”، أملًا في اجتذاب أصوات الأميركيين الفنزويليين والكوبيين، ولا سيما في ولاية فلوريدا. ولم يخف السناتور الطامح إلى الرئاسة ووزير الخارجية، ماركو روبيو، الأمر، متبجحًا بالقول: “رفع قيمة المكافأة يذكر الناخب بأن الحدود الجنوبية ليست مجرد أزمة هجرة، بل تهديد أمني مصدره مادورو”.
في مواجهة حرب الخنق المالي الأميركية، لجأت كاراكاس إلى بيع النفط بتخفيضات تصل إلى 40% للصين والهند، عبر شبكات وسطاء، وإلى مقايضة الذهب بالوقود الإيراني. كما انضمت فنزويلا رسميًا في يونيو الماضي إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، على أمل استقطاب استثمارات بنية تحتية لا تمر عبر النظام المالي الغربي. وإلى جانب ذلك، مُنحت قيادة الجيش حصصًا في مشاريع تعدين الذهب لضمان ولائها، مما يقلل احتمال حدوث انشقاقات قد تراهن عليها واشنطن من خلال الرشاوى، وفق النموذج السوري.
إن المقامرة الانتخابية الأميركية بوضع مكافأة للمساعدة في اعتقال رئيس منتخب، يحيل من دون شك إلى ما هو أعمق من مجرد تهم تهريب مخدرات، وتحديدًا إلى الصراع على نموذج تنموي مناهض للنيوليبرالية، وعلى موقع فنزويلا في خارطة الطاقة والموارد في العالم. ومع ذلك، يرى مراقبون أن الخطوة، على أهميتها الرمزية، لن تترجم عمليًا ما لم ترفق بحظر ثانوي على وسطاء الذهب وتجار النفط، من شأنه أن يدفع فنزويلا إلى أحضان حلفائها في طهران وموسكو وبكين أبعد فأبعد، أو يسرع بيع أصولها لشركات صينية بأسعار منخفضة، مما يفقد واشنطن أي نفوذ تفاوضي مستقبلي.
في المقابل، يظل الخوف من انفجار اجتماعي داخلي أو صدام إقليمي مع كولومبيا رادعًا للأميركيين من تشديد مفرط في العداء، إذ إن هكذا سيناريوات قد تزعزع أسواق الطاقة عبر خروج الدولة، صاحبة أكبر رصيد نفطي في العالم، من معادلة تريد الولايات المتحدة أن تبقى تحت سيطرتها المطلقة.