السبت, 9 أغسطس 2025 05:45 PM

سوريا: ارتفاع تكاليف العلاج يدفع المرضى إلى الشوارع.. قصة معاناة بين المستشفيات الخاصة والحكومية

سوريا: ارتفاع تكاليف العلاج يدفع المرضى إلى الشوارع.. قصة معاناة بين المستشفيات الخاصة والحكومية

نورمان العباس – دمشق

على مقربة من مشافي العاصمة دمشق، يفترش العشرات من المرضى وذويهم الأرصفة، بعد أن عجزوا عن تحمل نفقات العلاج والإقامة. أتوا من محافظات بعيدة بحثاً عن أمل، لكنهم صُدموا بواقع المستشفيات الخاصة التي باتت حكراً على الميسورين، في حين تعاني المستشفيات الحكومية نقصاً حاداً في الأدوية والمعدات. وبين هذا وذاك، يُنتهك حق المواطن في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية.

العلاج المجاني.. ذكرى من الماضي

تحولت معظم الخدمات التي كانت تقدمها المستشفيات الحكومية مجاناً أو بأسعار زهيدة إلى خدمات مدفوعة، في ظل تدهور القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع الأسعار. ولا تقتصر المشكلة على تكاليف العلاج، بل يُجبر المرضى أيضاً على إجراء التحاليل والفحوصات الطبية في مراكز خاصة خارج المستشفى، بسبب عدم توفرها في الداخل.

تكلفة الليلة الواحدة: من 3 إلى 10 ملايين ليرة

محمد علي، وهو مريض قدم من دير الزور، تحدث لـ"نورث برس" عن تجربته المريرة بين المستشفيات الخاصة والحكومية، حيث وصلت تكلفة الليلة الواحدة في المستشفيات الخاصة إلى ما بين 3 و10 ملايين ليرة سورية. وأشار إلى أن تكلفة الحاضنة لطفل سليم تبلغ نحو مليون ليرة يومياً، وترتفع إذا كان الطفل يعاني من مشاكل صحية. اضطر علي لنقل طفله إلى مشفى الأطفال في دمشق، ليجد طابوراً طويلاً من المرضى ينتظرون العمليات، موضحاً أن العشرات يبيتون في الشوارع بسبب غلاء العلاج والضغط على المستشفيات الحكومية. وأكد وجود نحو 50 طفلاً على قوائم الانتظار، محملاً وزارة الصحة مسؤولية إنشاء مستشفيات في مختلف المحافظات لتخفيف الضغط عن دمشق والمناطق المركزية.

700 ألف ليرة لـ 8 ساعات في الحاضنة

علي كنوف، والد طفلة أخرى، وضعها في حاضنة بأحد المشافي الخاصة في دير الزور لمدة 8 ساعات فقط، بتكلفة بلغت 700 ألف ليرة. أوضح لـ"نورث برس" أن الأسعار في القطاع الخاص "مرتفعة جداً"، سواء للأدوية أو المستلزمات الطبية، مما دفعه للتوجه إلى مستشفى حكومي رغم افتقاره لبعض الخدمات، مثل "إيكو القلب"، الذي كلفه تصويره خارجه 150 ألف ليرة. وأكد كنوف أنه بات من شبه المستحيل على أي مواطن من الطبقة المتوسطة دخول مستشفى خاص. نورية تعيمر تحدثت لـ"نورث برس" عن معاناتها في تأمين مبلغ 800 ألف ليرة لإجراء صورة رنين مغناطيسي وتخطيط لطفلها، واضطرت للبحث عن جمعية خيرية لتغطية التكاليف.

89 شكوى.. 78 منها مالية

من جانبه، صرح الدكتور بشار كناني، مدير المنشآت الصحية في وزارة الصحة، لـ"نورث برس"، بأن الوزارة تلقت 89 شكوى، بينها 78 شكوى تتعلق بمخالفات مالية، والباقي بأخطاء أو إهمال طبي. وأكد كناني أنه جرى معالجة جميع الشكاوى المالية وإعادة المبالغ لأصحابها، بينما لا تزال الشكاوى الطبية قيد التحقيق. وأوضح أن تسعيرة المشافي الخاصة تحدد بناءً على أسعار السوق، من حيث تكاليف المستلزمات الطبية والجراحية والتشغيل، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل حالياً على تعديل هذه التسعيرة لتحقيق التوازن بين جودة الخدمة وتكلفتها ومستوى دخل السكان. وأضاف أن ارتفاع أسعار الخدمات في القطاع الخاص مرتبط أيضاً بتراجع القدرة الشرائية للمواطن، داعياً المرضى من ذوي الدخل المحدود للتوجه نحو مستشفيات وزارة الصحة، حيث يتم التعامل مع أي تجاوز أو مخالفة فور تقديم الشكوى. ولفت كناني إلى أن تفاوت الأسعار بين المشافي الخاصة يعود إلى تصنيفها (ممتازة، أولى، ثانية)، إضافة إلى شهرة الطبيب وخبرته، وكذلك جودة المواد الطبية المستخدمة.

النقص مستمر رغم التحسن

وعن النقص في المستشفيات الحكومية، أشار كناني إلى أن الوضع شهد تحسناً نسبياً مقارنة بالفترات السابقة، بعد تعاون الوزارة مع منظمات دولية لتأمين الاحتياجات الأساسية. كما أصبحت مديريات الصحة قادرة على تغطية بعض الاحتياجات من موازناتها، رغم استمرار فقدان بعض الأدوية النوعية بسبب ارتفاع أسعارها عالمياً، بحسب كناني. وأكد أن الوزارة تعمل على ترتيب الأولويات وتوفير ما يمكن من الخدمات الطبية بحسب الحاجة، مبيناً أن نسبة النقص التي كانت تصل سابقاً إلى 100% بدأت بالانخفاض تدريجياً. وأفادت مصادر طبية خاصة لـ"نورث برس"، فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن بعض المستشفيات الخاصة تفرض "أسعاراً خيالية" على المرضى، مشيرة إلى أن مواطناً اضطر للتوجه إلى مشفى حكومي بعد أن طُلب منه مبلغ كبير مقابل عملية جراحية مع إقامة قصيرة. وأضافت المصادر أن هناك تفاوتاً كبيراً في الأسعار بين المشافي الخاصة، حيث يتم أحياناً التفاوض على الأسعار بشكل مباشر مع الطبيب، وليس عبر إدارة المستشفى.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: