السبت, 9 أغسطس 2025 09:26 PM

مؤتمر "قسد": محاولة لإحياء مشروع سياسي متعثر وتقويض المسار الوطني السوري

مؤتمر "قسد": محاولة لإحياء مشروع سياسي متعثر وتقويض المسار الوطني السوري

ينعقد ما يسمى بـ "مؤتمر قسد" في مرحلة حرجة من المسار السوري، حيث تسعى قوى متضررة من انتصار الشعب السوري على مشاريع التقسيم واستعادة الدولة لعافيتها، إلى إعادة التموضع ضمن تحالفات مؤقتة وهشة.

تبحث هذه القوى، التي فقدت أوراقها السياسية والميدانية مع سقوط عهد النظام البائد، عن غطاء جديد يسمح لها بالاستمرار في المشهد من خلال استدعاء الدعم الخارجي. يحمل المؤتمر رسائل واضحة على صعيد تدويل الشأن السوري، عبر فتح الباب أمام التدخلات الأجنبية والسعي لإعادة فرض عقوبات دولية، بما ينسجم مع أجندات قوى خارجية لا ترى في سوريا سوى ساحة نفوذ ومصالح.

يتقاطع هذا التوجه مع محاولات تهميش المسارات الوطنية، وفي مقدمتها هيئة العدالة الانتقالية والحوار الوطني، اللذان شرعت الحكومة السورية في تنفيذهما كجزء من عملية إعادة البناء السياسي والمجتمعي. على الرغم من الخطاب العلني الذي يروج لشعارات "التعددية" و"تمثيل المكونات"، تكشف القراءة المتأنية لمخرجات المؤتمر وتركيبة المشاركين عن أهداف أعمق وأقل وضوحاً.

تتضمن هذه الأهداف إضفاء شرعية سياسية على قوى أمر واقع فقدت قدرتها على الصمود داخلياً، ومحاولة كسب اعتراف دولي يمكن أن يترجم إلى دعم مالي وعسكري. كما يسعى المؤتمر إلى فرض أمر واقع جغرافي وإداري يمهد لسيناريوهات انفصال أو حكم ذاتي موسع، تحت غطاء حقوق الأقليات، وهو ما يشكل في جوهره تفتيتاً للبنية الوطنية السورية.

يمكن أيضاً اعتبار التحركات الأخيرة جزءاً من استراتيجية أوسع لخلق "أوراق تفاوضية" تستخدمها بعض الأطراف لابتزاز الحكومة السورية في أي محادثات مستقبلية، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام القوى الغربية لتوجيه المسار وفق مصالحها. يتزامن المؤتمر مع جهود تفاوضية جارية، ما يجعله ضربة استباقية لهذه الجهود، وإشارة إلى أن بعض الأطراف ما زالت تراهن على إعادة إنتاج الماضي تحت مسميات جديدة.

تفسر هذه المعطيات الموقف الحازم برفض المشاركة في أي اجتماعات لاحقة، ومنها لقاءات باريس، أو الجلوس على طاولة التفاوض مع أطراف تعمل على إحياء النظام البائد، سواء عبر خطاب سياسي مباشر أو من خلال شعارات مموهة.

في المحصلة، لم يكن مؤتمر "قسد" الأخير ساحة للحوار بين المكونات بقدر ما كان منصة لإعادة تدوير مشروع سياسي متآكل، ومحاولة لإعادة فتح الملفات الدولية على حساب المسار الوطني الذي يحتاجه السوريون اليوم أكثر من أي وقت مضى.

مشاركة المقال: