السبت, 9 أغسطس 2025 07:28 PM

سوريا في مرمى التنافس الدولي: استراتيجية 'عدم الانحياز العملي' في مواجهة القوى العظمى

سوريا في مرمى التنافس الدولي: استراتيجية 'عدم الانحياز العملي' في مواجهة القوى العظمى

تشهد سوريا تحولاً إلى ساحة تتنافس فيها ثلاث قوى عظمى – الولايات المتحدة وروسيا والصين – تسعى كل منها لإعادة رسم خريطة النفوذ في البلاد. وترى واشنطن في أي تغيير فرصة لانتزاع سوريا من المحور الروسي الإيراني، وهو هدف لم تتمكن من تحقيقه لعقود. وتعتبر زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية ولقاؤه بالرئيس السوري أحمد الشرع، بالإضافة إلى رفع العقوبات الغربية عن دمشق، جزءًا من استراتيجية لربط سوريا بالغرب وتحويلها إلى حليف استراتيجي.

إلا أن الحكومة السورية الجديدة تدرك أن التبعية المطلقة لأمريكا قد تفقدها أوراق التفاوض مع موسكو أو بكين. كما أن الشارع السوري لن يتقبل بسهولة تحول بلاده إلى قاعدة عسكرية أو سياسية لأي قوة أجنبية.

من جانبها، لا تزال روسيا متمسكة بأوراق مهمة، مثل قاعدتها العسكرية في طرطوس، التي تعتبر بوابة نفوذها في البحر المتوسط. وتؤكد زيارة وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني إلى موسكو حرص دمشق على عدم قطع العلاقات مع الكرملين.

لكن التحدي الأكبر لروسيا هو إقناع القيادة السورية الجديدة بقدرتها على تقديم ما هو أكثر مما يقدمه الغرب، خاصة في ظل العقوبات الغربية وتدهور الاقتصاد الروسي، مما يصعب عليها منافسة الاستثمارات الأمريكية أو الخليجية في إعادة الإعمار.

في هذا السياق، تدخل الصين من خلال الاستثمارات، مستفيدة من "مبادرة الحزام والطريق"، خاصة وأن دمشق تحتاج إلى مئات المليارات لإعادة الإعمار. وتعتبر الصين نفسها شريكًا اقتصاديًا غير سياسي، مما يجعلها خيارًا مقبولًا للحكومة السورية.

ومع ذلك، تواجه الصين تحديًا في كيفية الاستثمار في سوريا دون استفزاز واشنطن، وقد تمنع المنافسة العالمية الشديدة بين الولايات المتحدة والصين سوريا من أن تصبح مركزًا رئيسيًا لمشاريع بكين.

قد يفتح تراجع النفوذ الإيراني في سوريا الباب أمام الصين لملء الفراغ، لكن هذا لن يكون سهلاً في ظل اليقظة الأمريكية. فالحكومة السورية الجديدة بحاجة إلى الدعم الغربي لإنقاذ اقتصادها، وفي الوقت نفسه لا يمكنها الاستغناء عن الروس والصينيين.

السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تسعى دمشق إلى العمل مع جميع الأطراف من خلال تبني سياسة "عدم الانحياز العملي"، أي الانفتاح على الجميع دون الخضوع لأحد، لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر.

في النهاية، تقف سوريا عند مفترق طرق، إما أن تنجح في استغلال هذا التنافس الدولي لإعادة بناء دولة مستقرة، أو أن تتحول إلى ساحة أخرى لحروب بالوكالة. والاختيار بين هذين المسارين سيحسم في دمشق نفسها.

مشاركة المقال: