عنب بلدي – رأس العين: يتزايد استياء سكان مدينتي رأس العين وتل أبيض، شمال شرقي سوريا، بسبب الخصومات المالية التي تفرضها محال الصرافة والحوالات العاملة كوكلاء لتطبيق "شام كاش". يشتكي المزارعون من اقتطاع ما بين 8 و10% من قيمة الفاتورة عند صرف الأموال، في ظل غياب أي توضيح رسمي من الشركة أو الجهات الرقابية المحلية.
يعتمد المئات من سكان المنطقتين على تطبيق "شام كاش" لتسلم مستحقاتهم المالية، خاصة بعد تسويق محاصيلهم الزراعية هذا الموسم، مما جعل هذه الخصومات مصدر استياء واسع، خاصة مع ضعف الإنتاج وعدم استقبال كامل المحصول.
اعتبر مزارعون في رأس العين أن محال الصرافة والحوالات أصبحت شريكًا "غير مرحب به" في موسمهم الزراعي.
الصرّاف شريك
أرض أبي الطابي، من مدينة تل أبيض، والتي تبلغ مساحتها 120 دونمًا، لم تنتج سوى 150 كيلوغرامًا من القمح للدونم الواحد فقط، ما شكل صدمة له بعد موسم زراعي مرهق. وعند تسلم الدفعة الأولى من مستحقاته عبر تطبيق "شام كاش"، والتي بلغت قيمتها 1620 دولارًا، فوجئ بحسم 130 دولارًا أمريكيًا كعمولة على الحوالة من قبل الصراف، أي ما يعادل حوالي 8% من المبلغ.
أوضح أبي الطابي، لعنب بلدي، أن هذا الحسم كبير بالنسبة للمزارعين، خاصة أنه سيُحسم عند كل دفعة لاحقة، ما يعني تكرار الاستغلال مع كل تحويل مالي. وأشار إلى أن من واجب الشركة المانحة تفعيل مراكز رسمية لصرف الأموال داخل مدينة تل أبيض، وإبعاد الملف عن أيدي الصرّافين الذين يستغلون حاجة الفلاحين.
من جانبه، قال المزارع عمار الصبحاني، من قرية تل ذياب شرقي مدينة رأس العين، لعنب بلدي، إن موسم القمح هذا العام كان ضعيفًا، إذ لم يتجاوز إنتاج أرضه، التي تبلغ مساحتها 50 دونمًا، أكثر من 200 كيلوغرام للدونم الواحد.
أوضح أن القيمة الإجمالية لمحصوله بلغت 4500 دولار أمريكي، استنادًا إلى التسعيرة المدعومة من الحكومة السورية، التي حددت سعر الطن الواحد بـ450 دولارًا. وأضاف أنه تسلم دفعتين من أصل أربع دفعات عبر محل صرافة معتمد من تطبيق "شام كاش"، بقيمة 2250 دولارًا، لكن الصراف حسم منها 200 دولار، أي ما يعادل 8.9% من المبلغ.
اعتبر الصبحاني أن هذا الحسم مرتفع جدًا، خصوصًا بالمقارنة مع الداخل السوري، حيث تُصرف الحوالات من مراكز رسمية وبعمولات لا تتجاوز 1%. ويرى أن محال الصرافة في رأس العين باتت بمثابة "شريك في الموسم الزراعي"، معتبرًا أن فرض مثل هذه الحسومات في مدينة محاصَرة كمدينة رأس العين "يمثل استغلالًا واضحًا يصل إلى حد النصب".
طلبات معلّقة
تسبب تطبيق "شام كاش" بمشكلات للمزارعين في رأس العين وتل أبيض، بسبب عدم توافقه مع الخطوط التركية وتعطل الشبكات السورية في المنطقة، ما أدى إلى تأخر وصول الدفعات المالية للمحصول نتيجة مشكلات فنية في التطبيق.
قال رئيس تجمع المزارعين في تل أبيض ورأس العين، كرم الجبيل، لعنب بلدي، إن "محال الحوالات أظهرت جشعًا غير طبيعي"، إذ حسمت بين 8 و10% من قيمة الحوالة، وهو ما يفوق قدرة المزارعين، خصوصًا في ظل الموسم الزراعي الخاسر. وأوضح أن المزارعين واجهوا منذ البداية مشكلات عديدة مع تطبيق "شام كاش"، أبرزها صعوبة تفعيله في تل أبيض ورأس العين، نتيجة غياب الشبكة السورية، ما تسبب بتأخر الفواتير وظهور مشكلات فنية متعددة.
وأضاف أنهم طالبوا مؤسسات الحبوب بتسليم المبالغ يدويًا أو عبر شركة "PTT" (البريد التركي) للحوالات المالية الموجودة في المنطقتين، إلا أن الطلب لم يتم الرد عليه. وأشار إلى أن انقطاع التواصل مع دمشق "جعل المزارعين فريسة" لمحال الحوالات، التي تستغل غياب الرقابة لتحقيق أرباح على حسابهم.
تطبيق "شام كاش" هو منصة إلكترونية للمعاملات المالية، تعتمدها الحكومة السورية لدفع بعض الرواتب والمستحقات، كبديل عن البنوك التقليدية. ويرى مختصون، قابلتهم عنب بلدي في تقرير سابق، أن الاعتماد على "شام كاش" في ملفات حساسة كصرف مستحقات القمح، يتطلب وضوحًا أكبر في آليات التنفيذ، وضمان حقوق المزارعين، تفاديًا لتحول المشروع الرقمي إلى عبء إضافي بدل أن يكون وسيلة تسهيل.
تأخر تسليم المستحقات
أربك تأخر تسليم المستحقات لأكثر من 45 يومًا مزارعي رأس العين وتل أبيض، حيث كانوا يعولون على هذه العائدات لتغطية نفقاتهم اليومية وتعويض خسائرهم في موسم ضعيف الإنتاج ومرتفع التكاليف.
قال مسؤول بمؤسسة الحبوب في رأس العين، لعنب بلدي، إن مشكلة تطبيق "شام كاش" بدأت منذ انطلاقته، بسبب الإجراءات المعقدة وغير السهلة بالنسبة للمزارعين، من تسجيل البيانات والبصمة، إلى إنشاء أرقام سرية جديدة للأهالي. وأوضح المسؤول الذي تحفظ على نشر اسمه، لأنه غير مخول بالتصريح، أن المشكلة الكبرى كانت في تأخر تسلم المزارعين مستحقاتهم المالية، والتي تأخرت لنحو 45 يومًا، نتيجة مشكلات في التطبيق وعدم عمله بشكل جيد في المنطقة التي تعتمد على الشبكة التركية بالدرجة الأولى.
وأضاف أن المزارعين وقعوا ضحية لمحال الصرافة والحوالات، حيث استغل أصحابها عملية تسليم الأموال، وحسموا بين 8 و10% من المبلغ الإجمالي، ما زاد من الضغوط المالية عليهم. وأشار إلى أنه كان من الأفضل تسليم الأموال عبر مؤسسة الحبوب، لتفادي هذه الخسائر والتخفيف من الأعباء على المزارعين.
يعد محصول القمح أهم المحاصيل التي يزرعها فلاحو رأس العين وتل أبيض بالإضافة إلى محصول الشعير، ويشكلان مصدر الدخل الرئيس لسكان المنطقة الذين يعتمدون في معيشتهم بالدرجة الأولى على الزراعة.
تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتسيطر عليهما فصائل "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا منذ عملية ما يعرف بـ"نبع السلام" عام 2019.
تحيط بهما جبهات قتال باردة مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وتعتبر الحدود التركية منفذهما الوحيد نحو الخارج.