عنب بلدي – رغد عثمان | في أحد مراكز الإيواء بخربة غزالة بريف درعا، جلست سيدة نازحة من السويداء، فضّلت عدم نشر اسمها، لتروي لعنب بلدي معاناتها اليومية. وأشارت إلى أن غياب الحمامات المخصصة للنساء، في ظل الاكتظاظ الشديد، يدفع بعض العائلات إلى اللجوء لمنازل معارفهم لقضاء حاجاتهم، معربة عن خشيتها من إصابة أطفالها بأمراض جلدية نتيجة سوء الأوضاع الصحية.
كما تحدثت السيدة عن الضجيج المستمر الذي يحرمها من النوم، وافتقار أطفالها للملابس النظيفة والمواد الصحية الأساسية، مشيرة إلى أن بعضهم ما زال يرتدي نفس الملابس منذ النزوح من السويداء قبل أسابيع. وأضافت بمرارة أن وجبة غذائية منتهية الصلاحية وُزعت في المركز تسببت بحالات التهاب أمعاء بين الأطفال، معربة عن استيائها من عدم حصولهم على أي مساعدات نقدية كتلك الموزعة في مراكز أخرى، ومضيفة "كل ما أحتاجه هو شراء ملابس لأطفالي".
هذه المعاناة ليست حالة فردية، بل جزء من أزمة إنسانية أوسع تشهدها محافظة درعا، التي استقبلت أكثر من 4629 عائلة، يزيد تعدادهم على 25,000 شخص، نزحوا من محافظة السويداء إثر التدهور الأمني في عدد من مناطقها. وتنتمي أغلب هذه العائلات إلى عشائر البدو في محافظة السويداء، التي تعرضت لانتهاكات من قبل الفصائل المحلية، بعد موجة من العنف انخرطت فيها الفصائل المحلية ومقاتلو العشائر وقوات حكومية.
وللاستجابة، جُهزت 63 مدرسة كمراكز إيواء، بالتنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات المحلية والدولية والمجتمع المحلي، لتوفير الخدمات الأساسية والاحتياجات الإنسانية. لكن مع تزايد أعداد النازحين وشح الموارد، تواجه هذه المراكز تحديات معيشية وخدمية متصاعدة، من نقص المستلزمات الأساسية إلى محدودية القدرة على تلبية الاحتياجات الفعلية، ما يبرز فجوة كبيرة بين الإمكانات المتاحة وحجم الأزمة، رغم الجهود المبذولة.
شهادات من مراكز الإيواء في بصر الحرير وداعل وخربة غزالة ترسم صورة لواقع يختلط فيه القلق اليومي بندرة الغذاء، وغياب الخصوصية، وتردي البنية الخدمية.
شكاوى
في مركز داعل للإيواء، تحدثت آمنة الرفة، وهي نازحة من السويداء، عن غياب العدالة في توزيع السلال الغذائية والصحية، موضحة أن سلة واحدة تُمنح لعدة سيدات مجتمعات، دون العودة إلى بيانات دفتر العائلة. أما عسرة الرفة، المقيمة في المركز نفسه، فلم تحصل على أي سلة صحية بسبب عدم امتلاكها أوراقًا ثبوتية، مشيرة إلى أنها غادرت منزلها على عجل تحت وقع الاشتباكات، دون أن تتمكن من أخذ متاعها أو وثائقها الرسمية.
في مركز خربة غزالة، أوضح محمود الجاسم أن الطعام يُوزع مرة واحدة كل ثلاثة أيام فقط، وسط انعدام الإنارة ونقص واضح في الأغطية. ودعا محمود إلى إيجاد حلول بديلة قبل بدء العام الدراسي، مثل توفير خيام للعائلات.
من جهته، أشار علي الريان، أحد المهجّرين في خربة غزالة، إلى أن المركز يؤوي حاليًا 46 عائلة، معظمهم يفكرون بالمغادرة بسبب ضعف الخدمات، مقترحًا توفير خيمة لكل أسرة أو إعادة توطين النازحين في مناطق تسيطر عليها الحكومة داخل السويداء.
حملات محلية
أوضح مدير مركز داعل، محمد البرغوث، في حديث إلى عنب بلدي، أن المساعدات الحالية جاءت بجهود أهلية من أبناء مدينة داعل، ولا تكفي لتغطية حاجات نحو 150 شخصًا يقيمون في المركز، وأشار إلى أن آلية التوزيع تعتمد على عدد الأفراد، إذ تُمنح سلة لكل أربعة أشخاص، والعائلات الكبيرة تحصل على سلتين. وأضاف أن حملات محلية أسهمت بتأمين بطاريات، وتركيب وسائل إنارة داخل الغرف الصفية، إلى جانب توزيع الأغطية، والوجبات الغذائية، ومواد النظافة الشخصية.
من جانبه، قال مدير مركز خربة غزالة، إن وجبات الطعام التي كانت تُقدَّم للنازحين جاءت بجهود تطوعية من شباب البلدة، وانتهت مؤخرًا بسبب عدم وجود مطبخ دائم في المركز. وأضاف أن منظمات الاستجابة السريعة قامت بداية بتجهيز 12 غرفة بالفرش والبطانيات، لكنها لا تكفي لتغطية جميع العائلات، معربًا عن أمله بتقديم المساعدات بما يراعي احتياجات كل أسرة، أسوة ببقية المراكز.
وعن الإنارة، أوضح أنه تم توفير بطارية ولوح طاقة من قبل متبرعين من أبناء البلدة، كما تم التواصل مع منظمة استجابت بدورها وقدمت لاحقًا لوح طاقة وبطارية إضافية لإنارة المركز. الحمامات في المركز بحالة جيدة ويتم تنظيفها يوميًا، ولم تسجل أي حالات مرضية بين المقيمين، لافتًا إلى أن منظمات طبية تزور المركز بشكل دوري لتقديم الأدوية ونشر الوعي الصحي.
وختم بقوله، إن أبرز مطالب السكان اليوم تتمثل في الحصول على بطانيات، وفرش، ومساعدات مالية، أو خيام بديلة، مشيرًا إلى التواصل المستمر مع المنظمات لتأمين هذه الاحتياجات.
من جهته، قال معاون مدير منطقة إزرع، والمسؤول عن مركز بصر الحرير ومراكز الإيواء في إزرع، عماد الحريري، إن معظم الخدمات المقدمة في مراكز الإيواء تعتمد بشكل رئيس على الدعم المقدم من المنظمات الإنسانية، إذ يتم توزيع سلال غذائية تحتوي على معلبات ومواد تموينية مثل السكر والأرز والبرغل، وغيرها من المواد الأساسية. كما تقوم مؤسسات خيرية من المجتمع المحلي بتقديم وجبات طعام جاهزة للقاطنين في هذه المراكز، ويمكن القول إن هذه المساعدات تغطي نحو 70% من احتياجاتهم الأساسية.
أما بالنسبة لمادة الخبز، فيوزعها مجلس المحافظة بشكل يومي على مختلف مراكز الإيواء المنتشرة في القطاع. وأضاف بالنسبة لواقع النظافة، أن مراكز الإيواء تعاني من نقص في الحمامات المجهزة للاستحمام، رغم أن بعض السلال الإغاثية التي تم توزيعها تضمنت مواد تنظيف مثل الشامبو والصابون.
وعن الرعاية الصحية، أوضح الحريري أنها تتم بالتنسيق مع مديرية الصحة من خلال فرق جوالة تقدم الخدمات الطبية، وتوزع الأدوية، وتجري الفحوصات اللازمة، بالإضافة إلى ذلك، توجد نقاط طبية بالقرب من أغلب مراكز الإيواء، وتقوم هذه النقاط أيضًا بتقديم الرعاية الصحية بشكل مستمر.
ما المطلوب؟
عضو المكتب التنفيذي للشؤون الاجتماعية والعمل والطوارئ في محافظة درعا، حسين النصيرات، قال لعنب بلدي، إن بعض المراكز تشهد اكتظاظًا أكثر من غيرها، مثل مراكز رخم وبصر الحرير، نظرًا لقربها الجغرافي من السويداء، ما يجعلها الوجهة المفضلة للنازحين. وأوضح أن معظم مراكز الإيواء الحالية هي مدارس جُهزت بشكل أولي بمرافق صحية وتمديدات مياه، وتم تزويد العائلات بالفرش والأغطية، إضافة إلى توفير عيادات متنقلة تتبع لوزارة الصحة بالتعاون مع منظمات محلية، وتقوم هذه الفرق بتوزيع مستلزمات طبية ونسائية وحليب أطفال، مع تحويل بعض الحالات الصحية للمستشفيات.
الطعام يُقدَّم عبر مساهمات من المجتمع المحلي ومتبرعين، إذ تحتوي بعض المراكز على مطابخ تقدم وجبات ساخنة، بينما يتم توزيع سلال غذائية تتضمن مواد معلبة في مراكز أخرى. ورغم ذلك، شدد النصيرات على أن التحديات لا تزال كبيرة، خاصة مع ازدياد عدد النازحين، وقال إن أبرز الاحتياجات الملحّة تتمثل في الملابس، وتجهيز حمامات للاستحمام، وأماكن مخصصة للغسل والطهو داخل كل مركز، لأن الوجبات الجاهزة لا تلبي كل الاحتياجات، خصوصًا للأطفال أو من يعانون من حالات صحية خاصة.
وعن التمويل، أوضح أن المراكز تعتمد على جهود مشتركة بين المجتمع المحلي، ولجنة الكوارث، وبعض المنظمات الدولية، مشيرًا إلى أن دعم المنظمات الدولية لا يزال محدودًا حتى الآن، وأشار إلى مساهمة برنامج الغذاء العالمي في تقديم مادة الطحين للأفران التي توزع الخبز مجانًا، بينما تتحمل الدولة تكاليف إنتاج الخبز.
وتعاني بعض مراكز الإيواء الموجودة بين قرى الريف الشرقي لدرعا من قلة المساعدات، ويعود ذلك إلى صعوبة إيصال المساعدات إليها بسبب بُعد المسافات وتكلفة النقل، فضلًا عن الضغط على الكوادر التي يتطلب وجودها في كل مركز من عدة جهات مثل البلدية والدفاع المدني والهلال الأحمر.
وأوضح النصيرات أن 45% من مدارس درعا خارج الخدمة نتيجة الدمار، ومع اقتراب العام الدراسي الجديد، من الضروري إخلاء مراكز الإيواء الموجودة في المدارس بأسرع وقت ممكن، كما أن المحافظة تشهد اكتظاظًا سكانيًا وارتفاعًا كبيرًا في أجور السكن، ما دفع السلطات للجوء إلى خيار إنشاء مخيم مؤقت إلى حين عودة النازحين إلى مناطقهم في السويداء.
حلول مؤقتة
استجابة لمعاناة القاطنين بمراكز الإيواء بدرعا، قدمت منظمة "العمل لأجل الإنسانية" (Action For Humanity)، وبإشراف الدفاع المدني السوري، عددًا من المرافق الصحية إلى بعض مراكز الإيواء في ريف درعا الشرقي. وشملت المرافق حمامات مخصصة للاستحمام وأخرى للصرف الصحي، وجرى توزيعها، في 8 من آب الحالي، على مراكز في بلدات غصم، السهوة، المليحة الشرقية، المسيفرة، والحراك، بحسب مراسل عنب بلدي في درعا.
رئيس بلدية السهوة، مرعي العقاب، أوضح أن "الكرفانات" وصلت إلى مركزين فقط من أصل خمسة في البلدة، حيث زُوّد كل مركز بوحدتي استحمام منفصلتين للذكور والإناث، مشيرًا إلى أن السهوة تستقبل نحو 600 عائلة، أي ما يقارب 3200 نازح من السويداء.
وفي المسيفرة، قال مدير مركز الإيواء، زاهر الزعبي، إن المركز حصل على "كرفانة" واحدة تحتوي على حمامات للاستحمام، لكنه أكد أن هذه الكمية غير كافية، داعيًا لتزويد المركز بوحدة إضافية، خاصة أنه يضم حوالي 300 نازح.
أما في المليحة الشرقية، فأفاد رئيس البلدية، محمد العماري، بأن المنظمة سلّمت أربع "كرفانات" جميعها مخصصة للاستحمام، مشددًا على أهميتها في ظل ارتفاع درجات الحرارة والحاجة الملحّة للنظافة الشخصية في مراكز الإيواء.
وصلت العائلات إلى المنطقة بعد اتفاق بين القوات الحكومية والفصائل المحلية على التهدئة، برعاية أمريكية، ثم بدأت قوافل المهجرين بالخروج من السويداء، لكن دون أي توضيح رسمي ما إذا كان هذا التهجير دائمًا أم مؤقتًا.