شهدت كلية الطب البشري في جامعة حلب بالمناطق المحررة في 10 أغسطس الجاري، حادثة أثارت جدلاً واسعاً بين الطلاب والكادر الإداري. اتهم عدد من الطلاب موظفين في دائرة الامتحانات بإخراجهم من القاعات وتمزيق دفاترهم الامتحانية بسبب عدم تسديد الرسوم الجامعية. في المقابل، نفت رئاسة الجامعة ورئيس دائرة الامتحانات هذه الاتهامات، وأرجعوا الحادثة إلى مشكلات تنظيمية ومالية متراكمة. وأعلنت وزارة التعليم العالي استنكارها للحادثة وأمرت بفتح تحقيق عاجل لمعرفة التفاصيل.
"مزقوا دفتري الامتحاني!"
قال الطالب محمد معن الشيخ عبدو، أحد الطلاب الذين أكدوا تمزيق أوراقهم، إنه وصل متأخراً إلى الجامعة صباح يوم 10 أغسطس، حيث كان امتحان مادة "تشريح الرأس والعنق" قد بدأ عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً. وأوضح أنه دخل القاعة الخاطئة بسبب التعب والإرهاق، وأن المراقب أخذ ورقته وأخبره بالتواصل مع الأستاذ علاء، مسؤول الامتحانات، لحل الموقف. وأضاف أنه كان يأمل في تقديم الامتحان فور تصحيح الخطأ، لكن بعد أن توجه إلى مكتب الامتحانات، طُلب منه مراجعة رئاسة الجامعة. وهناك التقى بالأستاذ أحمد عيد، رئيس دائرة الامتحانات، الذي وجّهه إلى القاعة الثالثة لاستلام أوراقه، حيث أبلغه الموظفون بأن اسمه موجود في القائمة وأنه سدد الرسوم. لكن المفاجأة كانت تمزيق ورقته الامتحانية، ما حرمه من إتمام الامتحان. وأكد أن ما حدث يعكس سوء إدارة الامتحانات وغياب التنسيق، وشدد على ضرورة دعم الطلاب في مثل هذه الظروف.
شهادة أخرى تؤكد الواقعة
أوضح الطالب أحمد قطيني لمنصة "سوريا 24" أنه حضر إلى الكلية عند الثامنة والنصف صباحاً لتقديم المادة نفسها، إلا أن الأستاذين علاء حلواني وأحمد عيد منعاه هو وآخرين من دخول الامتحان. وأشار إلى أن أحد زملائهم كان قد دخل القاعة، لكنه أُخرج منها وتم تمزيق دفتره الامتحاني، وأنهم سارعوا للتواصل مع الدكتور محمد قطيني، مدير مكتب اتحاد الطلبة في كلية الطب، الذي حاول جاهدًا السماح لهم بتقديم الامتحان، لكن دائرة الامتحانات رفضت ذلك. وأضاف أن الدائرة قامت أيضاً بطرد بعض الطلاب المتعثرين مالياً، قبل أن يتدخل عميد الكلية ويوقف القرار، ووصف تعامل رئيس الدائرة بأنه كان "تشبيحياً". وبحسب مصادر طلابية، أُخرج عدد من الطلاب من القاعات بطريقة غير لائقة، ومن بينهم: عبد الرحمن عموري، محمد منصور، أحمد السالم، أحمد عجيني، وأحمد الحسين.
رئيس دائرة الامتحانات: لم نمزق أي دفتر
نفى رئيس دائرة الامتحانات، علاء حلواني، بشكل قاطع وقوع أي عملية تمزيق لدفاتر امتحانية. وأوضح أن القاعات أُعدت بناءً على استمارات التسجيل، لكنهم فوجئوا بوجود طلاب غير مدرجين في القوائم. وأكد تحمله المسؤولية أمام أي لجنة وزارية، وشدد على أنه لم يتم حجب أي علامات في الدورة الثالثة.
رئيس الجامعة: لم يُخرج أي طالب من القاعة
كما نفى رئيس جامعة حلب، أحمد بكار، إخراج أي طالب أو تمزيق أي دفتر امتحاني. وأوضح أن المشكلة كانت في عدم وجود أسماء بعض الطلاب ضمن القوائم، وأنه طلب من عميد الكلية إدخال جميع الطلاب، سواء دفعوا الرسوم أم لم يدفعوا، مع الاتفاق على إعادة الامتحان لاحقاً لمن لم يتمكن من التقديم. وأضاف أنه فوجئ في اليوم التالي ببيان وزارة التعليم العالي الذي تضمّن اتهامات بتمزيق دفاتر وإخراج طلاب، معتبراً أن الوزارة كان يجب أن تتواصل مع الجامعة قبل إصدار البيان. وأشار إلى أن لجنة تحقيق داخلية برئاسة عميد كلية الحقوق، وعضوية عدد من المسؤولين، توصلت إلى أنه لم يتم إخراج أي طالب أو تمزيق أي دفتر.
خلفية مالية للأزمة
أرجع بكار جزءاً من الإشكال إلى الأزمة المالية التي تعاني منها الجامعة، إذ تعتمد على الرسوم الطلابية لتغطية رواتب الكادر والمصاريف الجارية، في ظل غياب الدعم الحكومي. وأوضح أن نسبة كبيرة من الطلاب لم يسددوا حتى نصف الرسوم، وأن الكوادر لم تتقاضَ رواتبها عن الفصلين الأول والثاني. وأضاف أن الجامعة طلبت من الوزارة المساهمة في تحمل جزء من الرسوم بنسبة 35%، على أن يتحمل الطالب 50% والجامعة 15%، لكن لم يرد أي جواب. واختتم بكار بتقديم استقالته، مبرراً ذلك بتراكم الضغوط الإدارية والمالية، ورغبته في إفساح المجال لدماء جديدة لقيادة الجامعة.
لجنة وزارية للتحقيق
أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة السورية، الدكتور مروان الحلبي، القرار رقم (549) القاضي بتشكيل لجنة للتحقيق في الحادثة. وتضم اللجنة معاون الوزير لشؤون الطلاب رئيساً، إلى جانب ممثلين عن الجامعات المعنية، والشؤون القانونية، وطلاب الجامعة. ومنحت اللجنة مهلة أسبوعين لرفع تقرير مفصل حول نتائج التحقيق. ويأتي هذا القرار بعد يوم من نشر الوزارة بياناً يدين تمزيق الدفاتر وحجب العلامات وطرد الطلاب، قبل أن تقوم بحذفه، ما أثار موجة غضب في الأوساط الأكاديمية شمال سوريا، وصلت إلى مظاهرات طالبت بإنصاف رئاسة الجامعة.
بين تأكيد الطلاب المتضررين ونفي الإدارة، تبقى الحادثة قيد التحقيق الوزاري الذي سيحسم الجدل. وبينما يتفق الجميع على وجود أزمة مالية وإدارية، يبقى السؤال: هل ستنجح الجامعة في حماية حقوق الطلبة وضمان استمرار العملية التعليمية دون أن تتحول الخلافات الإدارية إلى عقبة أمام مستقبلهم الأكاديمي؟