سوريا لا تنهار، بل تتجه نحو حالة من الخلل المُدار. هذا ما يراه الدبلوماسي التركي إردام أوزان، سفير أنقرة السابق لدى الأردن، في تحليله للأوضاع في سوريا. ويشير إلى أن الأزمة تحولت من صراع مفتوح إلى ركود مؤسساتي، وأن وقف إطلاق النار الأخير في السويداء يكشف عن تآكل الوساطة الداخلية، وصعود التحكيم الأجنبي، وتفتت الهوية الوطنية. ويحذر من أنه إذا استمر هذا الزخم، فستصبح سوريا ساحة للتفاوض بدلًا من أن تكون دولة ذات حكم.
فقدان الوساطة الداخلية
يرى أوزان أن الدولة السورية فقدت قدرتها على التوسط في النزاعات الداخلية. فالمواجهة في السويداء لم تُعامل على أنها تمرد، بل كصراع بين كيانات متعارضة. والنظام لم يتولَّ قيادة الحل، بل استجاب لشيوخ محليين ووسطاء خارجيين. وهذا يدل على انهيار في الخطاب السياسي للدولة وشرعيتها، حيث ضعفت آليات الوساطة الداخلية وأصبحت الحكومة تتفاوض مع الفصائل بدلًا من أن تمثل الجميع.
التحكيم الأجنبي كوضع طبيعي جديد
يشير أوزان إلى أن التوصل إلى وقف إطلاق النار في السويداء بوساطة خارجية يمثل تحولًا هيكليًا، حيث أصبحت السيادة مُسندة إلى جهات خارجية من الناحية العملية. ويعكس هذا الترتيب اتجاهًا أوسع، حيث تُدار سوريا بشكل متزايد من خلال التنسيق الدولي بدلًا من الحوكمة المحلية.
الدور الناشئ لإسرائيل
يعتبر أوزان أن تدخل إسرائيل في السويداء ذا دلالة خاصة، حيث تواصل قادة دروز وشخصيات مرتبطة بالنظام مع قنوات إسرائيلية. وهذا يكسر الحدود الأيديولوجية السابقة، ويظهر أن إسرائيل لم تعد تُعتبر كخصم فحسب، بل أصبحت طرفًا فاعلًا في الديناميكيات الداخلية السورية.
تجزئة الخطاب الوطني
يلفت أوزان إلى غياب خطاب وطني جامع في السويداء، حيث لم يدّعِ أي طرف تمثيل الوطن بأكمله. ويكشف هذا عن انقسام أعمق، حيث يعمل النظام والمجتمعات المحلية والجماعات المسلحة بالتوازي، وتتعرض فكرة سوريا كمشروع سياسي واحد لضغوط شديدة.
السيادة الهجينة والحوكمة التكتيكية
يرى أوزان أن النظام يعمل بشكل متزايد كطرف واحد من بين أطراف عديدة، ويحافظ على نفوذه من خلال التفاوض والإكراه والدعم الخارجي. وهذا ليس حكمًا مركزيًا، بل سيادة هجينة، حيث تنسق الأجهزة الأمنية مع الميليشيات في اللاذقية، وتحكم قوات سوريا الديمقراطية (SDF) بشكل مستقل في الشمال الشرقي، وتتوسط الولايات المتحدة وإسرائيل في الصراع في السويداء.
الجهات الفاعلة الخارجية: الاحتواء بدلاً من الحل
يشير أوزان إلى أن القوى الأجنبية تكيفت مع الواقع السوري الجديد، وتسعى إلى إدارة المخاطر بدلًا من البحث عن حل. فلم تعد سوريا تُعتبر شريكًا ذا سيادة، بل تُعتبر مشكلةً يجب احتواؤها. وهذا الموقف الاستراتيجي يُديم الركود الداخلي.
الانحراف الاستراتيجي وخطر الرضا عن الذات
يحذر أوزان من أن سوريا تتجه نحو نموذج إدارة الأزمات الدائمة، حيث تتجنب الأطراف الخارجية التصعيد، بينما تسعى الأطراف الداخلية لتحقيق مكاسب ضيقة. ويؤكد أن هذا الانحراف يُسهّل الخلل، ويُؤخّر المساءلة، ويُضعف أسس التعافي.
دعوة إلى الوضوح الاستراتيجي
يدعو أوزان إلى جهد وطني متجذر في الشرعية والشمولية والتجديد المؤسسي لتحقيق الاستقرار في سوريا. ويحذر من أن الرضا عن النفس يسمح بالتشرذم، ويؤخر الإصلاح، ويهدد بتحويل سوريا إلى منطقة ركود مُسيطَر عليها.
* نبذة عن الكاتب: إردام أوزان دبلوماسي تركي متمرس يتمتع بخبرة 27 عامًا في الخدمة الدبلوماسية، شغل خلالها العديد من المناصب البارزة، بما في ذلك منصب سفير أنقرة السابق لدى الأردن.