السبت, 16 أغسطس 2025 11:44 AM

خصخصة القطاع العام في سوريا: قلق العمال ومخاوف من تسريح وفقدان الحقوق

خصخصة القطاع العام في سوريا: قلق العمال ومخاوف من تسريح وفقدان الحقوق

نورمان العباس ـ دمشق

مع كل خبر أو إشاعة حول خصخصة شركتها، يزداد قلق منار، العاملة في إحدى شركات القطاع العام الصناعي بدمشق، من تحول قرار حكومي إلى تهديد لمصدر رزقها وحقوق زملائها. وتوضح منار لنورث برس أن مخاوفها لا تتعلق بفكرة الخصخصة بحد ذاتها، بل بما قد يصاحبها من تسريح تعسفي وضياع للحقوق، مؤكدة على ضرورة أن تضع أي خطوة في هذا الاتجاه مصلحة العمال في المقام الأول. وتشير إلى أن شركتها تعمل حالياً يومين أو ثلاثة أيام فقط في الأسبوع، بسبب تقليص التكاليف التشغيلية وندرة الموارد.

هذا القلق الشخصي يعكس هواجس أوسع يعيشها آلاف العمال في شركات القطاع العام السوري، خاصة الإنتاجية منها، التي تراكمت عليها مشكلات مالية وإدارية على مدى سنوات طويلة، ما جعل الكثير منها عاجزاً عن تحقيق الجدوى الاقتصادية. وقد أقرّ وزير المالية السابق، محمد أبازيد، بأن بعض هذه الشركات "كانت موجودة فقط لسرقة الموارد"، ما جعل خصخصتها خياراً مطروحاً بقوة.

أسباب الأزمة

يتفق خبراء الاقتصاد على أن الأزمة في شركات القطاع العام تعود إلى عدة عوامل متشابكة. يوضح الدكتور تيسير المصري، أستاذ كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، لنورث برس، أن هذه الشركات، وخاصة الإنتاجية، تعاني من نقص السيولة وسوء الإدارة واعتماد تقنيات قديمة. ويضيف أن استبدال أصولها الإنتاجية اليوم قد يتطلب مئات المليارات، بعدما كان يكلف قبل سنوات بضع مئات من الملايين فقط.

من جانبه، يؤكد الدكتور عبدالرحمن محمد، نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة حماة، لنورث برس، أن أكثر من 70% من شركات القطاع العام ذات الطابع الاقتصادي تعتبر خاسرة رغم تقديمها خدمات حصرية، مشيراً إلى أن أضرار الحرب وضعف الإدارة وقلة التمويل عمّقت الأزمة مقارنة بالقطاع الخاص الذي حقق فوائض كبيرة في الصناعات التحويلية.

مخاطر الخصخصة

يرى المصري أن من أخطر جوانب الخصخصة عدم وضوح الرؤية الحكومية وغياب الدراسات الكافية، إضافة إلى عدم معرفة القيمة الحقيقية للشركات المطروحة للاستثمار. ويحذر من أن التركيز على الربح في القطاع الخاص قد يدفع إلى تقليص عدد العمال لتخفيض النفقات، ما يهدد مئات الأسر.

ويتفق معه محمد، موضحاً أن عمليات الخصخصة غالباً ما تترافق مع إعادة هيكلة القوى العاملة أو تسريح جزء منها لرفع الكفاءة وتقليل التكاليف. ويشير إلى أن القلق يزداد في الشركات التي قلّصت أيام العمل أو توقفت تماماً، حيث لا توجد ضمانات واضحة لاستمرار عمالها.

هذا القلق عبّر عنه أيضاً محمد ماجد العجمي، من دمشق، الذي شدد في تصريح لنورث برس، على ضرورة إلزام الدولة القطاع الخاص بضمان حقوق العاملين، مؤكداً أن المشكلة الكبرى تكمن في تسريح العمال حتى قبل الخصخصة، وأنه إذا لم تُضمن حقوقهم فمن الأفضل بقاء الشركات تحت الإدارة الحكومية.

الحلول المقترحة

يقترح المصري أن تكون الخصخصة بصيغة "تخصيص الإدارة" أو "عقود مؤقتة مع مستثمرين" تتضمن شروطاً تمنع تسريح العمال وتحافظ على حقوقهم. في حين يدعو عبدالرحمن محمد إلى تبني سياسات وطنية واضحة، تشمل تعويضات عادلة وإعادة التأهيل المهني وتوفير فرص عمل بديلة.

كما يشدد على أهمية إشراك ممثلي العمال في صياغة سياسات التحول لضمان العدالة الاجتماعية، ومنح الأولوية للمستثمرين المحليين للحفاظ على رأس المال داخل البلاد. ويوافقه في ذلك محمد صادق، من حلب، الذي يطالب بإعادة هيكلة المنشآت الصناعية العامة في مدينته، مؤكداً أنها مصدر رزق لآلاف الأسر محدودة الدخل، وأن تسريح العمال قد يدفعهم إلى الشارع.

أما ميكائيل محمد، من دمشق، فيرى أنه إذا تم تنفيذ الخصخصة، فيجب أن تترافق مع رواتب تقاعدية وتعويضات مناسبة للعمال، حتى لا يُتركوا بلا مصدر دخل. أما ميكائيل محمد من سكان دمشق، فقد رأى أنه في حال خصخصة الشركات، يجب أن يتم تأمين حقوق العمال من خلال رواتب تقاعدية وتعويضات، كي لا يُظلموا أو يُترَكوا في الشارع بين ليلة وضحاها.

بين واقع الشركات الخاسرة وحاجة الاقتصاد إلى الكفاءة ومخاوف العمال من ضياع حقوقهم، يقف ملف خصخصة القطاع العام في سوريا على مفترق طرق حساس. فنجاح أي تحول لن يتوقف فقط على الجوانب الاقتصادية، بل على قدرة الدولة في حماية البعد الاجتماعي وضمان أن لا تتحول الإصلاحات الاقتصادية إلى أزمة معيشية جديدة تطال مئات الأسر.

المحرر: معاذ الحمد

مشاركة المقال: