الإثنين, 18 أغسطس 2025 01:20 PM

رحيل صنع الله إبراهيم: وداعاً للمتمرد الذي رفض الهوان وناصر الفقراء

رحيل صنع الله إبراهيم: وداعاً للمتمرد الذي رفض الهوان وناصر الفقراء

برحيل صنع الله إبراهيم عن عالمنا، يودع الأدب العربي قامةً كبيرةً لطالما تميزت بالتمرد والنقد. يرحل صنع الله، وفي يقيني أنه يحمل في قلبه حزناً وغضباً وسخطاً، تماماً كما بدأ حياته متمرداً، وذلك لأن الكثير مما كتب عنه، وتمنى، وحلم به، وناضل من أجله، لم يتحقق.

الأسباب التي دفعته لرفض جائزة الدولة في ملتقى القاهرة الروائي عام 2003 ما زالت قائمة، ففي نظره، الجائزة صادرة عن حكومة تقمع الشعب وتحمي الفساد، في ظل وجود سفارة الكيان الصهيوني بالقرب. بل تفاقمت هذه الأسباب مع مرور الوقت، خاصةً مع عدم فتح معبر لتقديم المعونات لشعب غزة وعدم نصرته.

لقد رفض صنع الله إبراهيم الجائزة احتجاجاً على الهوان والدونية تجاه الكيان الصهيوني، وهو الهوان الذي بدأ بعد رحيل عبد الناصر وتولي السادات الذي أعلن استسلامه وأقام معاهدة كامب ديفيد، ثم استمر حسني مبارك على نهج السادات.

عندما أعلن الطيب صالح فوز صنع الله بالجائزة، فاجأ صنع الله الجميع برفضها في دار الأوبرا، وألقى كلمةً ما زلت أذكرها: "في هذه اللحظة التي نجتمع فيها هنا، تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وتقتل النساء الحوامل والأطفال وتشرد الآلاف. وتعمل لإبادة الشعب الفلسطيني. لكن العواصم العربية تستقبل زعماء إسرائيل بالأحضان".

انخرط صنع الله في العمل السياسي مبكراً، وانتسب للحزب الشيوعي المصري، فاعتقل عام 1959 وبقي في السجن حتى عام 1964، ليخرج منهكاً محطماً. كتب عن تجربته في السجن ومعاناته، وصدرت روايته الأولى "تلك الرائحة" عام 1966 في بيروت، ونشرتها مجلة شعر. رحب بها يوسف إدريس وكتب لها مقدمة جاء فيها: "هذه الرواية القصيرة ليست قصة، بل صفعة أو صرخة أو آهة منبهة قوية تكاد تثير الهلع…إن تلل الرائحة ليست مجرد قصة ولكنها ثورة". في المقابل، هاجمها يحي حقي. كانت رواية "تلك الرائحة" شهادة ميلاد لكاتب أثار جدلاً نقدياً خلال نصف قرن.

بعد هزيمة حزيران 1967، كتب رواية بعنوان 67، لكنها لم تنشر إلا عام 2017. صور في هذه الرواية الهزيمة العربية الكبرى بمعنى الهزيمة الشاملة: الهزيمة العسكرية والثقافية والفكرية والنفسية، والهزة العنيفة التي خلخلت المجتمعات العربية.

عام 1974 صدرت روايته "نجمة أغسطس" في دمشق من منشورات اتحاد الكتاب العرب. يسرد في هذه الرواية مرحلة من مراحل مصر، وهي مرحلة بناء السد العالي، والتعاون بين مصر والاتحاد السوفييتي. أما في روايته "العمامة والقبعة" فقد تناول مسألة الشرق والغرب. وبقي هاجس الحرية ملحاً عليه في كل ما كتب، في رواياته "ذات" و "شرف" و "أمريكانلي" و "وردة".

كان صنع الله متمرداً منذ بدايته، وبقي محافظاً على المبادئ الاشتراكية التي سُجن من أجلها خمس سنوات. وبقي نصيراً للفقراء، وكافح وناضل من أجل مصر وفضح الفساد والمفسدين.

(موقع اخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: