الإثنين, 18 أغسطس 2025 05:01 PM

قمة ألاسكا: كيف تفوق بوتين على ترامب دبلوماسياً دون تقديم تنازلات

قمة ألاسكا: كيف تفوق بوتين على ترامب دبلوماسياً دون تقديم تنازلات

في قمة أنكوريج بألاسكا التي عقدت في 15 آب/أغسطس الجاري، تجلت براعة فلاديمير بوتين الدبلوماسية بوضوح. فبدلاً من أن يخرج من القمة بتقديم تنازلات أو الموافقة على اتفاق لوقف إطلاق النار، نجح الرئيس الروسي في قلب الطاولة، محولاً الضغوط الأميركية إلى مكاسب دبلوماسية لروسيا، دون أن يقدم أي شيء ملموس في المقابل.

استراتيجية الإطراء والمداهنة

وصل بوتين إلى الأراضي الأميركية وهو يحمل سلاح الإطراء المدروس. فقد كرر ادعاءات ترامب المتكررة بأن روسيا ما كانت لتغزو أوكرانيا لو أنه، وليس جو بايدن، كان في السلطة. هز ترامب رأسه موافقاً. وفي وقت لاحق، أخبر ترامب شون هانيتي، مذيع “فوكس نيوز”، أن بوتين أكد له أنه تعرض للغش في انتخابات 2020. كان هذا عرضاً آخر لقدرة بوتين على سحر ترامب، تماماً كما فعل خلال قمة هلسنكي في 2018، عندما انحاز الرئيس الأميركي إلى جانبه ضد أجهزة الاستخبارات الأميركية بشأن التدخل الروسي في انتخابات 2016 الرئاسية. استغل بوتين خلفيته في الاستخبارات السوفياتية وخبرته في “التعامل مع الأشخاص” وتقنيات التلاعب، وحقق ما أراد.

تحويل الضغط إلى مكسب دبلوماسي

قبل القمة، كان ترامب يهدد بوتين بـ”عواقب وخيمة” إذا لم يوافق على وقف إطلاق النار في أوكرانيا. لكن في النهاية، كان ترامب هو من تراجع، متخلياً عن مطلبه بوقف إطلاق النار لصالح السعي إلى اتفاقية سلام شاملة، في موقف يتماشى مع رؤية بوتين للصراع في أوكرانيا. نجح بوتين في إعادة تأطير المفاوضات بحيث أصبح وقف إطلاق النار هو الهدف النهائي وليس نقطة البداية. وكما أوضح المحلل إيليا ماتفييف: “قبل القمة كان ترامب يوجه إنذارات نهائية لبوتين ويهدد بعواقب. في النهاية لم تكن هناك عواقب على عدم موافقة بوتين على وقف إطلاق النار”.

مطالب قصوى ولا تنازلات

استغل بوتين القمة لتوضيح مطالب تجدها كييف صعبة الهضم: أخبر ترامب أنه سيجمد الصراع على طول الجبهة إذا تم تلبية مطالبه وانسحبت أوكرانيا من دونباس، المنطقة الشرقية الواسعة التي حاولت روسيا السيطرة عليها منذ 2014.

تلبية هذا المطلب تنهي فعلياً دولة أوكرانيا في شكلها الحالي، وتقوض الهيكل الأمني الأوروبي ما بعد الحرب الباردة، مع تسليم مواقع استراتيجية رئيسية لروسيا. وكما أوضح فاسيلي كاشين من كلية الاقتصاد العليا في موسكو: “إلى أن تحصل روسيا على ضمانات واضحة حول مسألة دونباس، لا يمكن التحدث عن إنهاء الحرب، لأن هذا كان السبب في بدئها”.

الاستقبال المهين والانتصار الرمزي

منح ترامب بوتين استقبالاً أحمر اللون، وضحك معه في السيارة الرئاسية، وتصور معه بينما حلقت الطائرات العسكرية الأميركية في سماء المكان. هذا الترحيب الفخم أثار الصخب في واشنطن، لكنه أثار الاحتفال في موسكو. وكما كتب المحلل السياسي فيودور لوكيانوف: “أعادت ألاسكا إلى الأذهان اللقاء الأول بين غورباتشوف وريغان في جنيف قبل أربعين عاماً تقريباً”. رغم فشل الطرفين في التوصل لاتفاق في أنكوريج، فقد نقلا الخطاب بينهما “إلى مستوى مختلف تماماً”.

هدية الوقت الثمينة

الهدية الأعظم التي قدمها ترامب لبوتين لم تكن التصفيق أو السجادة الحمراء، بل كانت هدية الوقت. مع اقتراب منتصف تشرين الأول/أكتوبر، عندما يتحول الطقس ويصبح التقدم أكثر صعوبة، منح هذا بوتين شهرين كاملين. فقواته على وشك تحويل المكاسب التدريجية البطيئة والمكلفة إلى انتصارات استراتيجية أكثر أهمية في شرق أوكرانيا.

الخلفية الاستخبارية والتلاعب الماهر

خلفية بوتين في الاستخبارات السوفياتية لعبت دوراً محورياً في نجاحه الديبلوماسي. وكما أوضح جون سيفر، ضابط “سي آي إيه” السابق: “خلفية بوتين في الـ ’كي جي بي‘ تخبرنا كثيراً كيف يفكر… إنه نتاج الـ’كي جي بي‘، و الـ’كي جي بي‘ كانت منظمة إرهابية”. تدريب بوتين في “التدابير النشطة” – وهو مذهب سوفياتي يعتبر السياسة الخارجية أداة للتلاعب بالخصوم وتشكيل الإدراك العالمي – ظهر بوضوح في أنكوريج. وكما أشار المحلل جيسون سمارت: “في نظر فلاديمير بوتين، هذه ساحات معارك مُسيطر عليها. في رؤيته للعالم، الديبلوماسية استمرار للحرب حيث الهدف ليس التفاهم المتبادل بل إضعاف الخصم والحصول على ما يريد”. ويجب ألا ننسى أن وزير خارجيته سيرغي لافروف وصل إلى ألاسكا مرتدياً قميصاً عليها CCCP، الحروف الإنكليزية التي ترمز تاريخياً إلى الاتحاد السوفياتي. وهذا الأمر يعدّ تجهيزاً مسبقاً لمشهد استخباري كان السوفيات يتقنونه جيداً.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: