الأربعاء, 20 أغسطس 2025 10:46 AM

الذكاء الاصطناعي يهدد الذاكرة: دراسة تكشف قدرته على زرع ذكريات زائفة

الذكاء الاصطناعي يهدد الذاكرة: دراسة تكشف قدرته على زرع ذكريات زائفة

دراسة جديدة بقيادة عالمة النفس إليزابيث لوفتوس من جامعة كاليفورنيا في إيرفاين، وبالتعاون مع الباحث بات باتارانوتابورن من مختبر الوسائط في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تكشف أن الذكاء الاصطناعي قادر على خلق ذكريات وهمية لدى الأفراد، حتى عندما يكونون على علم بأن المحتوى تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.

تضمنت الدراسة ثلاثة أساليب رئيسية. أولاً، تم طرح أسئلة مضللة من خلال شات بوت بعد مشاهدة فيديو لجريمة، مما أدى إلى زيادة الذكريات الخاطئة بنسبة 1.7 مرة مقارنة بالأسئلة المكتوبة. ثانيًا، تم تقديم ملخصات مضللة أضعفت القدرة على تذكر المعلومات الصحيحة. ثالثًا، تم عرض صور ومقاطع فيديو معدلة أو مولدة بالكامل، ولوحظ أن أعلى نسبة تشويه كانت لدى أولئك الذين شاهدوا مقاطع فيديو تم إنشاؤها من صور مولدة.

على الرغم من أن بعض التغييرات كانت طفيفة، مثل تعديل الطقس أو إضافة وجود عسكري، إلا أنها نجحت في ترسيخ أحداث لم تحدث بالفعل، مما يثير مخاوف جدية بشأن إمكانية استغلال هذه القدرات في وسائل الإعلام والسياسة.

الدكتور مهند حبيب السماوي، الباحث والمختص في تحليل ظواهر العالم الرقمي، أوضح في حديث لـ "النهار" أن خطورة هذه الظاهرة تكمن في تجاوزها للتضليل التقليدي. وأضاف: "نحن لا نتعامل هنا مع معلومة يمكن تحليلها أو التشكيك فيها، بل مع إحساس داخلي وتجربة وجدانية يظن الإنسان أنه عاشها". وشدد على أن الكذبة عندما تتحول إلى ذكرى شخصية تصبح جزءًا من الهوية النفسية للفرد.

كما أشار السماوي إلى أن الخطر يتضاعف عند دمج هذه القدرة مع خوارزميات المنصات الاجتماعية، التي تغذي المستخدم بمحتوى مشابه لاهتماماته. وأكد أنه عندما يتم إعادة نشر الصور أو الملخصات المضللة بشكل متكرر، فإنها تتحول إلى يقين داخلي يصعب نفيه، وأن هذا التأثير لا يقتصر على الفرد فحسب، بل يمتد إلى مجموعات الأصدقاء والمجتمعات الافتراضية، مما يخلق شعورًا جماعيًا بصدق الزيف.

وفقًا للسماوي، الذاكرة البشرية ليست مجرد أرشيف ثابت، بل هي عملية بناء مستمرة. فعندما يواجه الدماغ معلومة جديدة مدعومة بصورة أو فيديو، فإنه يدمجها تلقائيًا في مخزون الذاكرة، خاصة إذا كانت مرتبطة بمشاعر قوية أو قادمة من مصدر موثوق.

يشرح السماوي أن هناك آليات رئيسية تجعلنا عرضة لتبني ذكريات مزيفة، مثل التكرار الذي يجعل المعلومة مألوفة ويعزز شعورنا بصحتها، والارتباط العاطفي الذي يرسخ المعلومة في الذاكرة، والثقة بالمصدر أو بالمجموعة التي تشارك المحتوى، وصعوبة التمييز بين التخيل والتذكر، وهي ثغرة يستغلها الذكاء الاصطناعي بمهارة.

وفيما يتعلق بالتصدي لهذه الظاهرة، يرى السماوي أن التشريعات تتحرك ببطء شديد مقارنة بسرعة تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكنه يشدد على ضرورة التحرك الفوري، مقترحًا إجراءات مثل فرض الشفافية على الشركات المطورة، ومنع استخدام هذه التقنيات في فترات الانتخابات، وإنشاء أنظمة لتتبع المحتوى المولَّد آليًا، ومحاسبة الشركات التي تهمل ضوابط الاستخدام، وتبني معايير دولية موحدة.

يحذر السماوي من أن البيئة السياسية والإعلامية في العالم العربي هشة أمام هذا النوع من المخاطر، مشيرًا إلى أن الانقسامات المجتمعية وغياب التشريعات والانتشار الواسع للشباب على المنصات الرقمية تجعل المنطقة أرضًا خصبة لاستغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في إعادة صوغ الأحداث أو تأجيج النزاعات.

ويقترح السماوي جملة من الإجراءات الوقائية، بما في ذلك حملات توعية تبدأ من المدارس، ودعم الإعلام المهني، وإنشاء مراكز تحقق إقليمية، وسن قوانين تجرم نشر المحتوى المضلل المولَّد آليًا، وإلزام المنصات بوضع علامات تمييز للمحتوى الآلي، وتطوير أدوات محلية لكشف الزيف بسرعة.

بين ما كشفته الأبحاث العلمية والتحذيرات الميدانية، يبدو أننا نقف أمام مرحلة جديدة في صراعنا مع المعلومات المضللة. لم يعد الخطر مجرد "كذبة تنتشر"، بل "ذكرى تُزرع" في أعمق زوايا وعينا، لتتحكم بطريقة تفكيرنا وقراراتنا. وفي عالم يتشكل تاريخه داخل العقول قبل الصفحات، قد تصبح معركة الذاكرة أخطر معارك المستقبل.

مشاركة المقال: