صفاء سليمان ـ اللاذقية
لم تثنِ الإمكانيات المحدودة والتضاريس الوعرة عزيمة أهالي القرى في ريفي حماه وجبلة بسوريا، حيث تصدروا المشهد في مواجهة موجة الحرائق التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، والتي هددت آلاف الهكتارات من الأشجار المثمرة المعمرة. ورغم تأخر وصول فرق الدفاع المدني والطيران المخصص لإخماد الحرائق، إلا أن شباب القرى وأهاليها أخذوا على عاتقهم مهمة إخماد النيران، مستخدمين ما تيسر من معدات بسيطة مثل البخاخات والمضخات اليدوية والمناجل والرفوش وحتى أغصان الأشجار.
موقف خطير
وعلى الرغم من خطورة الوضع، استمروا في مكافحة النيران التي كانت تلتهم كل شيء. يقول علي، وهو من سكان قرية فقرو، لنورث برس: "اندلعت النيران من عدة جهات، وتوجه الناس من مختلف قرى الغاب للمساعدة، وبفضل الجهود المشتركة تمكنا من إخماد أجزاء كبيرة منها. الحقيقة أن أبناء القرى هم من تصدوا للنار بأنفسهم".
ويوضح حسن، أحد سكان سهل الغاب، لنورث برس، أن التعاون بين أهالي القرى المجاورة كان أساسيًا في محاصرة الحريق، مضيفًا: "أطفأنا النيران بأدوات بسيطة؛ موتور بخ وكريك وأغصان الأشجار. بفضل همة شباب القرية، تمكنا من منع امتداد النيران إلى مساحات أوسع".
أما هشام، من بلدة نهر البارد، فيؤكد أن النيران استمرت لأربعة أيام متتالية، وانتشرت في أكثر من مكان بسبب الرياح القوية. ويضيف لنورث برس: "انتقلت النيران من فقرو إلى قرى الرامية ورشي ومزحل وصولاً إلى عين الكروم. استخدمنا كل ما لدينا من مضخات وخراطيم، لكن وعورة الجبال وقلة الطرق أعاقت جهودنا. اضطررنا لنقل الماء في أوعية بلاستيكية لمسافة تصل إلى كيلومتر كامل للوصول إلى مواقع النار".
ويشير هشام إلى أن "ألسنة اللهب وصلت إلى منازل قرى عين الكروم ونهر البارد، مما أجبر العائلات على النزوح مؤقتًا، وتم تسجيل عشرات حالات الاختناق ونفوق العديد من المواشي". ويضيف: "لم ننم لأيام، ومع ذلك كانت معدات الدفاع المدني ضعيفة جدًا، وحتى الخراطيم غير صالحة، مما صعّب السيطرة على الحريق".
كما انتقد حسن من نهر البارد التأخر في استجابة فرق الإطفاء: "في الأيام الأولى كان حضور الدفاع المدني ضعيفًا، ولا نعرف إن كان السبب أوامر أو إجراءات، لكن غيابهم ساهم في انتشار النيران. وعندما وصلوا متأخرين، حدثت خلافات بينهم وبين الأهالي، حتى أن بعض عناصر الأمن حاولوا فرض وجهة نظرهم على شباب القرى".
وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، يبقى المشهد الأبرز هو تكاتف أهالي القرى وتصدرهم الصفوف الأمامية لمواجهة النيران، ليؤكدوا أن إرادة الناس البسطاء كانت الحاجز الأول أمام كارثة كادت أن تدمر المزيد من أرواحهم وأراضيهم وتاريخهم الزراعي العريق.
تحرير: معاذ الحمد