الأربعاء, 20 أغسطس 2025 01:26 PM

اجتماع باريس يكشف: الجنوب السوري محور مفاوضات بين دمشق وتل أبيب

اجتماع باريس يكشف: الجنوب السوري محور مفاوضات بين دمشق وتل أبيب

استضافت العاصمة الفرنسية باريس اجتماعاً لافتاً جمع وزير الخارجية والمغتربين السوري، أسعد حسن الشيباني، مع وفد إسرائيلي، في خطوة تعتبر منعطفاً هاماً ضمن الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في الجنوب السوري.

مصدر حكومي يوضح

أفاد مصدر في الحكومة السورية لقناة الإخبارية بأن هذا الاجتماع، الذي جمع أسعد الشيباني ورئيس الاستخبارات بوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، يأتي في سياق الجهود المبذولة لاحتواء التوتر في الجنوب السوري. وأكد المصدر على تمسك الطرفين بوحدة الأراضي السورية ورفض أي مخططات لتقسيمها، مشدداً على أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، وأن المواطنين الدروز جزء أصيل من النسيج الوطني.

كما تناول الاجتماع الأوضاع الإنسانية في الجنوب، حيث اتفق الطرفان على ضرورة زيادة المساعدات المقدمة لأهالي السويداء والبدو، بهدف التخفيف من الظروف المعيشية الصعبة. وأشار المصدر إلى مناقشة آلية واضحة لإعادة تفعيل اتفاق وقف الاشتباك الموقع عام 1974، بما يضمن وقف التوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وإرساء بيئة أكثر استقراراً. واختُتم الاجتماع بالتأكيد على التزام الجانبين بالعمل على خفض التصعيد في الجنوب، لتجنب انزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة.

قضايا أمنية وسياسية

تناول اللقاء، الذي جرى بوساطة أميركية، مجموعة من القضايا الأمنية والسياسية، وعلى رأسها ملف محافظة السويداء، وإعادة تفعيل اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974، بالإضافة إلى بحث آليات خفض التصعيد ومنع التدخلات في الشأن الداخلي السوري. وذكرت وكالة الأنباء السورية "سانا" أن النقاشات تركزت على التوصل إلى تفاهمات تدعم وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، ومراقبة الالتزامات الميدانية على الأرض، وإعادة النظر في بعض بنود اتفاق 1974 بما يتناسب مع التطورات الراهنة. وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من اللقاءات السابقة، كان آخرها اجتماع الشيباني في عمّان مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك، والذي أسفر عن تشكيل مجموعة عمل ثلاثية (سورية – أردنية – أميركية) لدعم جهود تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء.

أهمية اللقاء في السياق الإقليمي

يمثل الاجتماع في باريس محطة هامة في مسار التفاوض غير المباشر بين دمشق وتل أبيب، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المعقدة، وبعد أحداث السويداء الأخيرة التي كشفت عن هشاشة الوضع الداخلي السوري. ويرى الباحث السياسي سمير العبد الله أن اللقاء "محوري"، لأنه يأتي بعد سلسلة من التوترات والأحداث المفصلية في سوريا، وعلى رأسها تطورات السويداء. وأضاف أن أهمية اللقاء تكمن في أنه يُجرى بعد أحداث السويداء، والتي شكّلت منعطفاً خطيراً في المشهد السوري، معرباً عن أمله في أن يسفر عن نتائج ملموسة على الأرض. كما أشار إلى أن النقاشات ستركز على وضع حد "للخروقات والانتهاكات الإسرائيلية اليومية في جنوب سوريا"، وأن الرعاية الأميركية للمفاوضات قد تفتح الباب أمام تفاهمات أمنية جديدة، إلا أن التحديات ما زالت كبيرة، لا سيما مع امتلاك إسرائيل "ورقة تفاوضية قوية بعد أحداث السويداء"، وسعيها إلى توسيع المنطقة الأمنية العازلة جنوب البلاد.

السويداء في قلب المفاوضات

كان ملف السويداء حاضراً بقوة في اجتماع باريس، حيث تسعى الأطراف إلى معالجة تداعيات الأحداث الأخيرة التي شهدتها المحافظة. ويرى العبد الله أن "الوضع في السويداء منح إسرائيل مساحة مناورة أكبر في المفاوضات، حيث تطرح إمكانية فتح ممر إنساني إلى المحافظة، إلى جانب تعزيز نفوذها الأمني في الجنوب". وفي المقابل، يعاني الموقف السوري من "ضعف نسبي"، نتيجة التشرذم الداخلي وعدم الاستقرار السياسي والأمني. ومع ذلك، يظل الرهان السوري قائماً على استمرار الدعم الأميركي، إضافة إلى مواقف إقليمية متوقعة من تركيا والسعودية، قد تسهم في موازنة الضغوط الإسرائيلية.

بين اتفاق 1974 وأمن الجنوب

من جانبه، يرى الكاتب السياسي حسن النيفي أن اجتماع باريس ليس الأول من نوعه، إذ سبقه لقاء بين الشيباني ومسؤول الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل جون ديرمر أواخر الشهر الماضي، أيضاً بوساطة أميركية عبر المبعوث توماس باراك. وأوضح النيفي أن أجندة الشيباني في هذه اللقاءات تتركز على مسألتين أساسيتين: أولاهما، إمكانية العودة إلى تفعيل اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، ولو عبر إدخال تعديلات طفيفة، بما يتضمن "تعهدات سورية جديدة بألا تشكل أراضيها مصدر تهديد لإسرائيل". وأشار النيفي إلى أن دمشق تأمل أن يقود هذا المسار إلى انسحاب إسرائيل من المواقع التي سيطرت عليها بعد سقوط نظام الأسد. أما المسألة الثانية، فتتعلق مباشرة بأمن الجنوب السوري، حيث تعمل إسرائيل على "استثمار أحداث السويداء وتدخلها المباشر فيها، لتثبيت حضورها في كامل الجنوب، وربما الدفع باتجاه جعله منطقة منزوعة السلاح". وقال النيفي: "إن ما تسعى إليه إسرائيل هو استغلال ضعف الدولة السورية الراهن، بغية انتزاع إقرار رسمي بجعل الجنوب حرس حدود لإسرائيل. لكن في المقابل، لا يبدو أن هذه اللقاءات يمكن أن تقود إلى صفقات تطبيع شاملة في المدى القريب، إذ يظل الطابع الأمني هو المسيطر على أجندة الحوار".

البعد الأميركي في المشهد

لا يمكن فصل لقاء باريس عن الدور الأميركي الواضح في رعاية هذه المفاوضات، والذي يسعى إلى ضبط إيقاع التوازنات في المنطقة، ومنع انزلاق الجنوب السوري إلى مواجهات مفتوحة. فواشنطن التي دفعت سابقاً نحو تشكيل مجموعة عمل ثلاثية مع الأردن وسوريا، تبدو حريصة اليوم على أن تكون الراعي الأساسي لأي تفاهمات سورية – إسرائيلية، بهدف منع تمدد نفوذ إيران وروسيا في تلك المنطقة الحساسة. ويمكن للرعاية الأميركية أن تمنح المفاوضات قدراً من الجدية، لكنها في الوقت نفسه تعكس حدود الحلول الممكنة، إذ تحصر الحوار في الجانب الأمني والاستقرار الميداني، بعيداً عن الملفات السياسية الكبرى التي ما تزال مجمّدة، سواء ما يتعلق بالحل السياسي الشامل في سوريا أو مستقبل العلاقة السورية – الإسرائيلية على المدى الطويل.

رسائل الاجتماع وتداعياته

وفقاً لما ذكره العبد الله والنيفي، فإن اجتماع باريس يبعث بعدة رسائل أساسية:

  • دمشق تسعى إلى تثبيت وقف إطلاق النار في الجنوب وتفادي المزيد من الانهيار الداخلي عبر تفاهمات أمنية ولو مؤقتة.
  • إسرائيل تستثمر الوضع السوري الهش لتحقيق مكاسب ميدانية، أهمها تكريس الجنوب كمنطقة عازلة.
  • الولايات المتحدة تؤكد دورها المركزي في هندسة التفاهمات ومنع القوى المنافسة من التمدد.
  • الأردن حاضر في الصورة عبر مسار عمّان الأخير، ما يعكس إدراكه أن استقرار الجنوب السوري ضرورة لأمنه الداخلي.

وختاماً، يظهر لقاء باريس بين الشيباني والوفد الإسرائيلي أن الجنوب السوري يمثل ساحة اختبار رئيسية للتوازنات الإقليمية والدولية. فبين طموحات إسرائيل الأمنية، وهشاشة الداخل السوري، والوساطة الأميركية الحثيثة، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من اللقاءات المشابهة، وإن بقيت في إطارها الأمني الضيق، بعيداً عن أي مسار تطبيع سياسي شامل. لكن الأهم هو أن هذا اللقاء وضع السويداء والجنوب السوري في قلب الحسابات الإقليمية، ورسّخ باريس كمحطة مفصلية في مسار التفاهمات المقبلة.

مشاركة المقال: