الإثنين, 25 أغسطس 2025 10:20 AM

نيويورك تحت وطأة الضوضاء: أزمة صحية عامة تهدد السكان وتتجاوز تلوث الهواء

نيويورك تحت وطأة الضوضاء: أزمة صحية عامة تهدد السكان وتتجاوز تلوث الهواء

تعيش مدينة نيويورك على وقع مستويات ضوضاء مقلقة باتت تشكل تهديداً حقيقياً للصحة العامة. فالضوضاء المتفاقمة في أرجاء المدينة تزيد من الضغط النفسي، وتسبب اضطرابات النوم، وتفاقم مشكلات القلب، إلا أنها لا تحظى بالاهتمام الكافي مقارنة بتلوث الهواء.

تيم موليغان، البالغ من العمر 43 عاماً، يتجنب ركوب مترو الأنفاق قدر الإمكان. ولكن في مدينة تعج بحركة المرور وصخب ورش البناء وأبواق السيارات، يجد هذا المحارب القديم، الذي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، صعوبة في الهروب من ضجيج المدينة.

يقول موليغان، المقيم في مانهاتن بالقرب من ساحة تايمز سكوير، لوكالة فرانس برس: "لقد غطيت نافذتي برغوة عازلة للصوت، وركبت ستائر مزدوجة، وأنام بسدادات أذن، وأرتدي سماعات رأس عازلة للضوضاء".

فمن قطارات المترو، سواء كانت تحت الأرض أو فوقها، إلى حركة مرور السيارات، مروراً بالحانات والمروحيات وأعمال البناء، تضج مدينة نيويورك باستمرار بالأصوات من كل حدب وصوب.

يصل مستوى صوت المحادثة العادية إلى ما بين 50 و65 ديسيبل، بينما يتراوح مستوى صوت حركة مرور السيارات بين 70 و85 ديسيبل. ويمكن أن يصل مستوى صوت آلة ثقب الصخور المستخدمة في ورش البناء إلى 110 ديسيبل. وتوصي منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوز متوسط 70 ديسيبل يومياً. ومع ذلك، في نيويورك، يتم تجاوز هذا الحد في كل مكان تقريباً.

وتؤكد الأرقام هذا الواقع: ففي عام 2024، تلقى الخط الساخن 311، وهو رقم الخدمات البلدية، أكثر من 750 ألف شكوى تتعلق بالضوضاء، ما يجعلها أكثر الشكاوى شيوعاً في المدينة. وفي 14 آب/أغسطس 2025، وصل عدد الشكاوى إلى ما يقرب من نصف مليون شكوى.

ومع ذلك، تُعد هذه المدينة العملاقة استثناءً في الولايات المتحدة، إذ لديها "قانون للضوضاء" يحدد الحدود المسموح بها وينص على عقوبات. بل إن البلدية نشرت كاميرات مزودة بأجهزة استشعار صوتية لتغريم السائقين الذين يصدرون ضوضاء مفرطة.

لكن الخبراء يعتبرون هذه الاستجابة غير كافية إلى حد كبير.

ينسق ريتشارد نيتزل، الأستاذ بجامعة ميشيغن والمتخصص في الصحة العامة، دراسة وطنية واسعة النطاق مع شركة آبل منذ عام 2019، يرتدي في إطارها أكثر من 200 ألف متطوع ساعة ذكية تسجل تعرضهم للضوضاء.

وقد أتت النتائج الأولية مقلقة، إذ تبين أن "ربع الأميركيين معرضون لمستويات تهدد سمعهم على المدى الطويل"، وفقاً لنيتزل.

وفي نيويورك، وبحسب دراسة أجراها بين عامي 2010 و2012 مع جامعة كولومبيا، كانت الأرقام أسوأ من ذلك، إذ يقول نيتزل: "أجرينا قياسات أظهرت أن واحداً من كل عشرة من سكان نيويورك تقريباً كان معرضاً لخطر فقدان السمع لمجرد ركوبه مترو الأنفاق يومياً".

وتتجاوز العواقب الأذنين، لتشمل قلة النوم وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو السكتات الدماغية، والاكتئاب، وضعف الإدراك. لكن توسع قائمة الآثار المعروفة للضوضاء لا يثير أي رد فعل سياسي كبير.

ويقول الباحث بأسف: "لأنه على عكس تلوث الهواء، لا يحظى الضجيج بالقدر نفسه من الاهتمام من عامة الناس والسلطات".

تتأثر بالضوضاء مختلف الفئات العمرية والسكان، ولكن بعضها أكثر من غيره. يتعرض الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً لقدر كبير من الضوضاء عبر سماعات هواتفهم، وغالباً ما تكون بمستويات صوت عالية جداً. وفي أحياء الطبقة العاملة، غالباً ما تكون بيئة الضوضاء أكثر كثافة، بسبب الطرق السريعة الرئيسية ومواقع البناء.

تقول ميشيل دي ستيفانو، أخصائية السمعيات ومديرة مركز شيلي وستيفن أينهورن: "كلما زادت مدة التعرض للضوضاء وطالت، ازدادت حدة فقدان السمع. ولا سبيل للتراجع"، مع أن هذا الخطر يمكن تجنبه بكل وضوح.

تكمن المفارقة في أنه في بعض الأماكن، يُسعى عمداً إلى إحداث الضوضاء. ففي مطعم مكسيكي في هدسون ياردز، حيث تُشغّل موسيقى صاخبة، يُقر المدير شين نيومان بأنه "مع الموسيقى، تبدو الأجواء أكثر بهجة. يبقى الزبائن لفترة أطول ويستهلكون أكثر".

في المقابل، تُظهر دراسات أخرى أن الضوضاء تُسرّع من معدل دوران الطاولات، ما يزيد من ربحية المطاعم.

مشاركة المقال: