الخميس, 21 أغسطس 2025 07:41 PM

أسواق حمص القديمة: نبض التراث المعماري والاقتصاد الذي يستهوي الزوار والتجار

أسواق حمص القديمة: نبض التراث المعماري والاقتصاد الذي يستهوي الزوار والتجار

حمص-سانا: تقع أسواق حمص الأثرية في قلب المدينة القديمة، وتمتد على مساحة تقارب 40 ألف متر مربع، وتعتبر من أبرز معالم المدينة التراثية والاقتصادية. تمتزج فيها الحرف التقليدية مع الطابع المعماري العريق، لتشكل وجهة حيوية تجذب الزوار والمهتمين بالتاريخ والتسوق.

وجه حضاري واقتصادي متجذر

تعود جذور هذه الأسواق إلى العهدين الأيوبي والمملوكي، وتتميز بشوارعها الأسطوانية وسقوفها الملونة وعقودها المقببة الضخمة، مما يمنحها طابعاً عمرانياً فريداً. يؤكد الباحث التاريخي غازي حسين آغا في حديثه لمراسلة سانا أن هذه الأسواق تمثل الوجه الحضاري والاقتصادي لحمص، نظراً لموقع المدينة المتوسط بين طرق التجارة التاريخية وقربها من ساحل بلاد الشام. ويبدأ امتداد الأسواق من باب السوق، المنفذ التجاري الأول، وصولاً إلى باب هود، حيث تتشابك وتتفرع وفق خطة معمارية دقيقة تعكس دورها التجاري عبر الزمن.

تنوع في الأسواق والمهن

من أبرز هذه الأسواق، السوق المسقوف "سوق المقبي"، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1895، ويتميز بسقفه الخشبي وأرضيته المرصوفة بالحجارة السوداء، ويضم 39 مخزناً مخصصاً للمشاة فقط. كما تنتشر الأسواق الصغيرة المتفرعة عنه، والتي تحمل أسماء المهن والسلع مثل سوق الحرير، العطارين، الصاغة، النحاسين، الخياطين، وسوق النسوان، إلى جانب أسواق تحمل أسماء مالكيها أو من تولى العمل فيها، مثل سوق الفيصل وسوق الجندي. ويبرز خان القيسارية كأحد المعالم الباقية من العهد المملوكي، وكان مركزاً لتجمع القوافل التجارية من مختلف أنحاء البلاد.

جهود الإحياء والتطوير

أوضحت المهندسة إناس بايقلي، مديرة جمالية المدينة والمشرفة على لجنة تنمية الأسواق الأثرية، أن أعمال الإحياء تمت وفق مسارين: الأول مدني شمل ترميم الأسقف والأقواس الحجرية، والثاني كهربائي تضمن إنارة السوق وتفرعاته. كما تم تشكيل لجنة جديدة بعد التحرير تعمل كصلة وصل بين التجار ومجلس المدينة، إلى جانب إنشاء غرف حراسة ومفارز حماية، وإنارات تزيينية، وصندوق خاص لصيانة الأسواق. وتشير الإحصائيات إلى وجود 981 محلاً أثرياً و1200 محل غير أثري، عاد منها 475 أثرياً و1020 غير أثري إلى العمل. ولا تزال هذه الأسواق تحتفظ بجاذبيتها، حيث يرى الزوار فيها متعة التسوق التقليدي وفرصة لاكتشاف تاريخ المدينة، كما عبّر عنها تامر السلقيني، أحد أقدم التجار في السوق، الذي أعاد إحياء مهنة صناعة الحلويات التي ورثها عن أجداده منذ عام 1929، ويصفها صائب صابرين بأنها "كالأم التي تحتضن أولادها التجار"، فيما يرى مهند بسمار أن الأسواق الأثرية تعزز شعور الزائر بالانتماء والتواصل مع الجذور.

تبقى أسواق حمص القديمة معلماً تاريخياً واقتصادياً يجمع بين التراث والتجارة، ويستقطب الزوار من مختلف أنحاء المحافظة، بما تحتضنه من مهن وحرف وسلع متنوعة، في مشهد يعكس روح المدينة وهويتها الثقافية. ففي قلب المدينة القديمة، تنبض أسواق حمص التراثية بروح التاريخ والتجارة، هنا تتقاطع الحرف اليدوية مع العمارة المملوكية، لتروي قصة حضارة لا تزال حية، كل زاوية فيها تحمل عبق الماضي وتفتح أبواباً للتنمية والسياحة والهوية الثقافية.

مشاركة المقال: