الجمعة, 22 أغسطس 2025 07:01 PM

مستقبل سوريا: الفيدرالية أم اللامركزية.. بين التقسيم والإصلاح

مستقبل سوريا: الفيدرالية أم اللامركزية.. بين التقسيم والإصلاح

تشهد الساحة السورية نقاشات محتدمة حول مستقبل الدولة وهيكلها السياسي والإداري، حيث تطرح قوى محلية، أبرزها قوات "قسد" في شمال شرق البلاد، وبعض الجماعات في محافظة السويداء جنوبًا، فكرة "الفيدرالية" أو "الحكم الذاتي". يرون في ذلك حلاً يضمن حقوق المكونات ويستجيب لمطالب اللامركزية. ومع ذلك، تثير هذه الطروحات مخاوف من أن تكون مدخلاً إلى تقسيم مقنّع يهدد وحدة الدولة السورية.

في المقابل، يظهر خيار "اللامركزية الإدارية الموسعة" كحل إصلاحي أكثر أمانًا، يتماشى مع تجارب دولية ناجحة مثل تركيا وفرنسا، حيث تُمنح السلطات المحلية صلاحيات خدمية واسعة دون المساس بالسيادة المركزية. يؤكد الخبراء على التمييز بين الفيدرالية، كنظام سياسي قد يؤدي إلى تفكيك الدول الهشة، واللامركزية الإدارية، كأداة لإصلاح مؤسسات الدولة وتعزيز فاعليتها، وذلك في حديث لمنصة سوريا 24.

الفيدرالية بين النظرية والتطبيق السوري

من الناحية النظرية، نجحت الفيدرالية في دول مثل ألمانيا وسويسرا وكندا، وساهمت في تحقيق تنمية متوازنة وحماية للتنوع العرقي والثقافي. لكن تطبيق هذه التجربة في سوريا يبدو محفوفًا بالمخاطر بسبب الانقسامات العميقة، والهشاشة السياسية والأمنية، وطبيعة القوى التي تطرحها. في شمال شرق البلاد، تسيطر "قسد" بالقوة العسكرية، وتتعامل مع دمشق بندّية، عبر فرض شروط وتغييرات إدارية وديموغرافية، وصلت إلى حد توثيق عمليات تهجير قسري ضد السكان العرب، وفقًا لتقارير دولية لمنظمات مثل "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش".

وفي الجنوب، تمارس جماعات مثل "حكمت الهجري" ضغوطًا على مؤسسات الدولة وتعتدي على ممتلكات العشائر، في محاولة لتحويل السويداء إلى كيان مغلق. هذه الممارسات تشير إلى أن ما يُسوّق له تحت شعار "الفيدرالية" في سوريا لا يهدف إلى بناء نموذج ديمقراطي يوزع السلطات، بل إلى فرض وقائع تقسيمية تمهيدًا لإعلان كيانات شبه مستقلة، مما يهدد وحدة البلاد.

الفيدرالية المطروحة تهديد مقنّع واللامركزية خيار إصلاحي

يرى ميسرة بكور، مدير المركز العربي الأوروبي للدراسات، أن من الضروري التمييز بين الفيدرالية كفكرة ناجحة في بعض الدول، وبين ما يُطرح اليوم في سوريا تحت هذا العنوان. يقول بكور في حديث لمنصة: "لا أعارض الفيدرالية كنظام سياسي واقتصادي واجتماعي، فهي نجحت في دول عدة. لكن ما يُطرح في سوريا مختلف تمامًا، ويبدو أقرب إلى مشروع تقسيم مقنّع، أو فرض كيانات مستقلة تتعامل مع الدولة بندّية لا كجزء منها". ويضيف أن خطورة الطرح الحالي تكمن في كونه مرتبطًا بوقائع عسكرية وتهجير قسري موثق، فبحسب تقارير "العفو الدولية" عام 2015، جرى تهجير آلاف المدنيين في الحسكة والرقة على يد قوات قسد، وتدمير قرى بأكملها مثل الحسينية. كما أشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى منع سكان الرقة من العودة إلى منازلهم بعد التحرير، ما يعزز فرضية تغيير ديموغرافي ممنهج يخدم مشروعًا انفصاليًا.

ويتابع بكور: "الأمر لا يقتصر على الشمال الشرقي، فحتى في السويداء تمارس جماعات محلية ضغوطًا مشابهة، بهدم منازل وأحياء تعود للعشائر، بهدف تحويل المدينة إلى لون واحد، تمهيدًا لانفصال مقنّع تحت شعار الفيدرالية". لكن بكور لا ينفي الحاجة إلى إصلاح، ويرى أن اللامركزية الإدارية خيار واقعي وضروري، شريطة أن تبقى ضمن الإطار الإداري والخدماتي، دون أن تتحول إلى أداة لإعادة رسم حدود الدولة. ويشدد على أهمية تفعيل قانون الإدارة المحلية القائم وتطويره، بدلًا من البحث عن نماذج مستوردة، مؤكدًا أن الحل الحقيقي يكمن في بناء دولة مدنية قوية وعادلة، تحترم التنوع وتضمن الحقوق.

الفيدرالية وصفة للانقسام واللامركزية جسر للوحدة

يوضح الخبير في القانون الدولي فراس حاج يحيى أن اللامركزية الإدارية هي أداة لتحسين الخدمات عبر منح صلاحيات تنفيذية للمحليات في مجالات مثل الصحة والتعليم، بينما تبقى السيادة والقرارات السيادية الكبرى بيد الحكومة المركزية. ويؤكد في حديث لمنصة أن هذا النموذج معمول به في دول مثل تركيا وفرنسا، وينظم عبر القوانين، دون أن يمس وحدة الدولة. أما الفيدرالية، فهي نظام سياسي يقسم السيادة نفسها بين كيانات ذاتية الحكم، لها برلماناتها وقواتها الأمنية الخاصة، وهو ما يتطلب تغييرًا جذريًا في الدستور. وفي حالة سوريا، يمثل هذا النظام خطرًا مباشرًا على وحدة الدولة، لعدة أسباب:

  • تكريس الانقسامات العرقية والمناطقية إلى كيانات سياسية دائمة، ما يمنع بناء هوية وطنية جامعة.
  • خلق فوضى تشريعية وقضائية نتيجة تضارب القوانين، تعيق إعادة الإعمار والاستثمار.
  • تمزيق السياسة الخارجية وتحويل سوريا إلى ساحة صراع بالوكالة بلا نهاية.

ويخلص حاج يحيى إلى أن الفيدرالية المطروحة من طرف واحد، سواء داخلي أو خارجي، ليست حلًا وطنيًا بل أجندة تقسيمية، بينما تمثل اللامركزية الإدارية الموسعة الخيار العملي والآمن، إذ تتيح تلبية المطالب المحلية في تحسين الخدمات واحترام الخصوصيات الثقافية (مثل تدريس اللغة الكردية كلغة محلية)، مع الحفاظ على وحدة الدولة وسيادتها. ويقول: "برأيي الشخصي، الفيدرالية وصفة للانقسام، بينما اللامركزية جسر للوحدة وإعادة الإعمار".

بين الفيدرالية واللامركزية، أي طريق لسوريا؟

تتفق آراء حاج يحيى وبكور على أن الفيدرالية كما تُطرح اليوم في سوريا ليست مشروعًا ديمقراطيًا، بل غطاء لمخططات تقسيمية تستند إلى وقائع عسكرية وتغيير ديموغرافي. في المقابل، تبرز اللامركزية الإدارية الموسعة كخيار أكثر توازنًا، يعالج مشكلة المركزية المفرطة والتهميش، دون المساس بوحدة الدولة. لكن نجاح هذا الخيار يتطلب إرادة سياسية حقيقية لتفعيل القوانين، وتطوير الإدارة المحلية، وضمان مشاركة فعلية للمجتمعات في صنع القرار، بعيدًا عن النزعات الانفصالية. كما يستدعي بناء دولة مدنية عادلة وقوية، تستوعب التنوع السوري وتوظفه كعامل قوة لا كذريعة للانقسام. ووسط كل ذلك، يبقى السؤال: هل تسلك سوريا طريق الإصلاح الإداري الذي يحافظ على وحدتها، أم تنزلق نحو مشاريع تقسيمية مموهة بشعارات "الفيدرالية"؟

مشاركة المقال: