الأحد, 24 أغسطس 2025 05:13 PM

صراع النفوذ في سوريا: تنافس إسرائيلي تركي فرنسي على خلفية المصالح المتضاربة

صراع النفوذ في سوريا: تنافس إسرائيلي تركي فرنسي على خلفية المصالح المتضاربة

عنب بلدي ـ عمر علاء الدين - وفقًا للسفير الإسرائيلي السابق، مايكل هراري، يبدو أن لإسرائيل وتركيا مصالح متضاربة في سوريا حاليًا. السؤال المحوري، كما يطرحه هراري، هو: هل يمكن التوصل إلى تفاهم متبادل لتجنب سوء التقدير والحسابات الخاطئة، ومنع تحول أي تصعيد محتمل إلى مواجهة مباشرة؟

يتجلى التنافس التركي الفرنسي أيضًا في سوريا، حيث تدعم فرنسا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وترعى محادثات باريس بشأنها، الأمر الذي يثير استياء أنقرة بسبب عدم سيطرتها على مجريات المحادثات، وفقًا لما نقله "المونيتور". هذا التضارب في المصالح والطموحات يهدد بتفجير الوضع، وإشعال مواجهات بين أطراف دولية متنافسة على الأراضي السورية.

أنقرة وتل أبيب.. تنافس قد يمتد لتصادم

يرى السفير الإسرائيلي السابق، مايكل هراري، في مقال نشرته مجلة "المجلة" السعودية، أنه يمكن الافتراض بأن "إسرائيل تحاول رسم نوع من التوازي بين نفوذها في المنطقة الدرزية، ونفوذ تركيا في المنطقة الكردية". وتعتبر إسرائيل أن التدخل التركي في سوريا "مفرط" وقد يعرض مصالحها الحيوية للخطر. ويشير هراري إلى أن هناك جهات فاعلة أخرى في المنطقة تشاركها هذا الرأي.

في المقابل، ترى تركيا أن أمامها "فرصة تاريخية لتثبيت استقرار حدودها مع سوريا بشروطها الخاصة، خاصة فيما يتعلق بقضية الكرد بمن فيهم حزب "العمال الكردستاني"، وتعزيز اعتماد نظام الشرع عليها"، على حد تعبيره. ويضيف الباحث في مركز "جسور للدراسات" محمد سليمان، أن تركيا، باعتبارها دولة كبرى وعضوًا في حلف "الناتو"، تتمتع بنفوذ كبير في السياسة الدولية، وتتعامل مع الأحداث الإقليمية بسرعة وفعالية، ولا تسمح بوجود تهديدات لأمنها القومي.

ووفقًا لسليمان، تدعم أنقرة الحكومة السورية وتسعى جاهدة لتحييد الجهات التي تسعى لزعزعة الاستقرار في سوريا، سواء باستخدام قوتها الذاتية أو من خلال تحالفاتها الدولية. ويرى سليمان أن التنافس بين إسرائيل وتركيا لن يصل إلى حد الصدام، لأن إسرائيل تتبنى استراتيجية تعتمد على القوة والموافقة الأمريكية في جميع صداماتها، وتدرك أن تركيا دولة قوية ولها تحالفات دولية كبيرة. ويؤكد أن تركيا تسعى دائمًا لتعزيز السلام والاستقرار في أي ملف تتعامل معه، وخاصة في ملفات دول الجوار.

وكان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قد صرح في 25 تموز الماضي، بأن تركيا ترسل إلى إسرائيل رسالة عبر قنوات استخباراتية وعبر وسطاء مشتركين، مؤكدًا أنه "لا أجندة خفية لدينا. ولا ينبغي لأي دولة أن تشكل تهديدًا لسوريا، كما لا ينبغي لسوريا أن تشكل تهديدًا لأحد. سوريا خط أحمر بالنسبة لنا، فهي مسألة أمن قومي. لا نسعى للهيمنة".

ويرى مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس"، سلام كواكبي، أنه ليس جديدًا أن الطرفين (تركيا وإسرائيل) يتجنبان مثل هذا الصراع بأساليب مختلفة. وعلى الرغم من التشجيع التركي على "تقارب محدود" بين دمشق وتل أبيب، فإن عجلة التصالح السوري الإسرائيلي كانت أسرع مما تمنى الأتراك وتوقعوه، وفق الباحث. ويضيف كواكبي أن ما يهم تركيا من جهة الأمن القومي هو منع تقسيم سوريا الجاري على قدم وساق بمساهمات أطراف متناقضة، وأن الملف الكردي يشكل عاملي "قلق وتحفيز" دائمين في أنقرة.

باريس تنافس أنقرة من المتوسط إلى “قسد”

يبدو أن التنافس التركي الفرنسي يعطل "الوساطة" التي تقودها الولايات المتحدة بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بحسب تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي. وتضغط أنقرة على دمشق لإلغاء المحادثات المقررة في باريس، خوفًا من أن يؤدي الدعم الفرنسي إلى ترجيح كفة المفاوضات لصالح الأكراد. وانفجر ملف شمال شرقي سوريا عند عقد مؤتمر "المكونات"، ودعا البيان الذي نشرته وكالة "هاوار"، المقربة من "قسد"، إلى صياغة دستور ديمقراطي جديد لسوريا، يُكرّس اللامركزية، ويضمن المشاركة السياسية، لترد دمشق بتعليق المفاوضات مع "قسد" التي كانت مقررة في باريس.

وعقب المؤتمر لوّحت كل من دمشق وأنقرة بالتصعيد في ملف "قسد" بعد تعثر المفاوضات معها. وحذر وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في مؤتمر مع نظيره السوري، من أن غياب تلبية المطالب الأمنية لتركيا في سوريا يجعل "الحفاظ على الهدوء أمرًا مستحيلًا"، داعيًا "قسد" إلى وقف "التهديدات المباشرة لتركيا والمنطقة". من جانبه، اعتبر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، أن مؤتمر "وحدة المكونات" الذي انعقد في الحسكة لا يمثل الشعب السوري، وحاول استغلال أحداث السويداء، ويمثل انتهاكًا لاتفاق اندماج "قسد" في مؤسسات الدولة.

ويرى مستشار الأمين العام للأمم المتحدة السابق، والباحث الفرنسي اللبناني، إيلي حاتم، أن دعم فرنسا لـ"قسد" لا يعتبر "مشروعًا"، وأنه حتى وإن دعمت باريس "قسد" عسكريًا، يعتبر ذلك تدخلًا في الشؤون الداخلية السورية، وهذا يتعارض مع المادة الثانية من شرعة الأمم المتحدة. ويعتقد حاتم أن هناك طرقًا "غير مباشرة" لدعم تلك القوات، وهذا ما يشكل "صراع نفوذ" بين فرنسا وتركيا، خاصة أن فرنسا تريد العودة للشرق الأوسط أي سوريا ولبنان بعد أن أخرجت منهما.

ويضيف الباحث في مركز "جسور للدراسات"، محمد سليمان، أنه ليس لفرنسا تأثير مباشر في سوريا بسبب الدبلوماسية السياسية التي تتبعها إدارة الشرع تجاه الدول الراغبة في التدخل بالشأن السوري، وترفض الإدارة أن يكون هناك تواصل مع أطراف خارجة عن نطاق سيطرة الحكومة. ولا تزال باريس تسعى للعب دور أكبر في سوريا، حيث تحافظ على علاقاتها مع "قسد"، وتعتبر هذه العلاقة استثمارًا سياسيًا يمكن أن يزيد الضغط على دمشق، وفق سليمان. لكن دمشق، بحسب الباحث السوري، مستعدة لاتخاذ "خطوات عسكرية" إذا دعت الحاجة لإنهاء وجود "قسد" في مناطق الجزيرة السورية، و"قسد" نفسها تدرك أن "التفاهمات الدولية" تدعم دمشق، وأن سوريا ستكون تحت حكم دولة سورية موحدة، تسيطر على كامل الأراضي وجميع الموارد.

وخلافًا لكل ما سبق، يرى مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس"، سلام كواكبي، أن البرود بين البلدين (فرنسا وتركيا) مرتبط أساسًا بتزعم فرنسا للتوجه الأوروبي لعدم ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لكواكبي، فإنه في بعض الأحيان، هناك توجه نحو شخصنة الخلاف السياسي وصولًا إلى تبادل اتهامات وكلمات قاسية بين مسؤولي البلدين. لكن منذ فترة قليلة، طبّع الطرفان العلاقات وهدأت التوترات، وعاد التنسيق في عديد من الملفات. ولا يعتقد كواكبي أن تبديل مكان التفاوض بين دمشق و"قسد" (من باريس إلى دمشق) يدخل في إطار صراع تركي فرنسي من أي نوع كان.

واشنطن بين أنقرة وتل أبيب وباريس

يرى السفير الإسرائيلي السابق، مايكل هراري، أن واشنطن والساحة الإقليمية وأنقرة تنظر بسلبية إلى النهج الإسرائيلي الاستباقي، أي التدخل العسكري، وخاصة ما يعتبر "إصبعًا إسرائيلية خفيفة على الزناد" ضد نظام الشرع. وبحسب هراري، ترى إسرائيل أن التدخل التركي في سوريا "مفرط"، وقد يعرض مصالحها الحيوية للخطر.

بالنسبة لموقف واشنطن، يرى الباحث في مركز "جسور للدراسات"، محمد سليمان، أن واشنطن تعمل على إدارة الصراع السوري، والتوصل إلى تفاهمات تهدف إلى تحييد العديد من الأطراف والدول عن التدخل في الشأن السوري، مع الحرص على أن يكون الوضع الداخلي السوري خاليًا من الصراعات ومتماشيًا مع مصالح سوريا وجيرانها وحلفائها، وألا تكون بؤرة لعودة النفوذ الإيراني في المنطقة. ووفقًا للباحث في مركز "جسور"، فقد أعطت واشنطن الدولة السورية الجديدة فرصة لبناء نفسها، لتكون متوازنة تهدف لإيصال الشعب السوري إلى دولة وطنية حديثة أساسها الحرية والعدالة الاجتماعية.

وبالنسبة لموقف واشنطن من دور باريس في سوريا، يرى الباحث الفرنسي اللبناني إيلي حاتم، أن إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا لا "يريدون أن تعود فرنسا إلى المنطقة". ويعزو حاتم ذلك إلى أن فرنسا تريد مشروعًا في المنطقة، تكون فيه جميع الطوائف والأعراق يتعايشون بدولة واحدة، على عكس "المشروع الصهيوني"، الذي يرى أنه يهدف لشرذمة الشرق الأوسط وتقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة متناحرة مع بعضها لتكون الولايات المتحدة وإسرائيل هما المسيطرتين، على حد تعبيره. ويعتقد إيلي حاتم أن واشنطن ستقوم بدفع أنقرة ومساعدتها ليكون نفوذها أقوى من النفوذ الفرنسي في سوريا، كما أن واشنطن تعول على أنقرة باعتبارها عضوًا مهمًا في حلف "الناتو"، مشيرًا إلى أن كلًا من إسرائيل والولايات المتحدة استطاعتا التلاعب بتركيا لدفعها للمساهمة في مشروع التقسيم.

أين دمشق؟

تتعامل الإدارة السورية الحالية مع الوضع الراهن بشكل "براغماتي"، وفق الباحث في مركز "جسور للدراسات" محمد سليمان. يرى سليمان أن دمشق تسعى دائمًا لتحقيق توازنات تساعد في تقليص تأثير الدول الخارجية على السياسة السورية، مع الأخذ في الاعتبار وجود حلفاء مثل تركيا والسعودية وقطر، الذين يسهمون في تنظيم العلاقات مع دول لها مصالح حساسة في الملف السوري مثل إسرائيل وروسيا، وهذا التوازن، باعتقاده، "يسهم في الحد من التدخلات الخارجية التي قد تؤثر على سوريا".

لكن مدير "المركز العربي للدراسات في باريس"، سلام كواكبي، لا يرى "سياسة خارجية واضحة من قبل دمشق". وهذا يعود باعتقاده إلى افتقاد الخارجية السورية لـ"الخبرات اللازمة لإدارة هذا الملف وسواه". وقال، "سوريا بعيدة كل البعد حتى عن مجرد التفكير باستغلال مثل هذه الصراعات الدبلوماسية بحيث تخدم مصالحها".

لكن مستشار الأمين العام السابق للأمم المتحدة، إيلي حاتم، يعتقد أن على حكومة الشرع ليس فقط الاستفادة من الصراع بين أنقرة وباريس، بل "إعادة تمركز القوة والحكومة في سوريا"، وإحباط ما سماه "المشروع التقسيمي للدول في المنطقة التي ترعاه الولايات المتحدة". ويرى حاتم أن على دمشق أن تتقرب من تركيا وفرنسا لـ"توازن في سياستها" ولا تقع في يدي واشنطن، وكذلك تل أبيب التي لا تريد الاستقرار في المنطقة خدمة لمصالحها التوسعية عبر إسرائيل الكبرى كما تحدث عنها نتنياهو.

مشاركة المقال: