الأحد, 24 أغسطس 2025 05:24 PM

مستشار الرئاسة السورية يهدد الإخوان المسلمين ويدعوهم لحلّ أنفسهم

مستشار الرئاسة السورية يهدد الإخوان المسلمين ويدعوهم لحلّ أنفسهم

كشف موفق زيدان، مستشار الرئيس أحمد الشرع، عن "حقيقة فشل" تنظيم "الإخوان المسلمين" كتنظيم دولي عابر للحدود والقارات. وخاطب زيدان فرع الجماعة في سوريا، مؤكداً أن أفكارها تجاوزها الزمن وأن أعضائها بلغوا السن الذي يجعل طروحاتهم بعيدة عن الواقع ولا تخدم المرحلة التي تعيشها الدولة بعد سقوط نظام الأسد.

يفاخر زيدان بأصوله الفكرية الممتدة إلى "الإخوان المسلمين" المصنفة على قوائم الإرهاب في دول عربية عدة، والتي تعمل دول أخرى في الغرب على سلوك ذات الخطوة قريباً. لكنه يرى أن الجماعة في سوريا بات عليها حل نفسها مثلما فعلت الفصائل التي حاربت في معركة إسقاط النظام السوري السابق قبل أشهر.

بين سطور زيدان ما يبدو تهديداً مبطناً للإخوان المسلمين في سوريا، إذ لفت إلى أن ثمن رفض الجماعة حل نفسها هو الإقصاء من المشهد، معتبراً أن "مواكبة العصر وتطوراته وتحديثاته أمر في غاية الأهمية للسياسي العامل في الحيز الاجتماعي، وإلا فإنه يغمس خارج الصحن ويغرد خارج السرب".

في مقالته، يعترف زيدان بأنه كان عضواً في "الإخوان المسلمين" بعدما أنكر ذلك مرة خشية من قوائم "الأشخاص الذين يشتبه في قيامهم بنشاطات إرهابية"، حينما ورد اسمه عام 2015 بين سطور وثائق وكالة الأمن القومي الأميركية، واتهم بالانتماء إلى الجماعة وتنظيم "القاعدة" الذي نفذ هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001. وانتماء زيدان للتنظيمين فكراً وقناعة تدلل عليه أيضاً مؤلفاته ومنشوراته الكثيرة في وسائل التواصل. وعندما عين في منصبه الجديد تعالت الأصوات المتسائلة عن غرض الشرع من هذا الاختيار، في وقت تنتقد فيه تقارير حقوقية ودولية مختلفة ما حدث في مدن الساحل والسويداء من جرائم ارتكبها متطرفون.

ظن كثر أن زيدان هو ممثل "الإخوان المسلمين" في السلطة السورية الجديدة، لكن مقالته تبوح بخلافه معها بل بازدرائه لها، إذ يعامل العالم كله الجماعة وكأنها أخطبوط وإمبراطورية عالمية وخلافة إسلامية على امتداد القارات الست، بينما حقيقتها وواقعها يرثى له، فالمساكين متمسكون بقصور خيالية وهمية سرابية.

يرى زيدان أن السبيل الوحيد أمام فرع الجماعة في سوريا كي يلتحقوا بالدولة الجديدة هو أن تحل نفسها على غرار ما فعلت أفرع "الإخوان المسلمين" في دول عدة بالمنطقة وتحولت بذلك إلى أحزاب سياسية "ناجحة"، متجاهلاً ما تعانيه اليوم كل الأمثلة التي استدعاها لدعم حجته من إشكالات أمنية واقتصادية وتدني شعبيتها.

يطالب زيدان "الإخوان المسلمين" بالتعامل مع الشرع كما فعلوا مع جمال عبدالناصر إبان الوحدة بين سوريا ومصر، حين حلت الجماعة نفسها تلبية لشرط عبدالناصر بخلو الساحة من الأحزاب السياسية في "الإقليم الشمالي"، على رغم أن عبدالناصر كان شديداً مع فرع الجماعة وقادتها في مصر حينها، كما تقول المقالة.

تكشف المقاربة التي استدعاها زيدان بوضوح أنه يؤيد حكماً شمولياً في سوريا لا يخالف فيه أحد الشرع وحكومته، ويدعي بأن السلطة الجديدة في دمشق تحتكر "الصواب" فلا يجب المزاودة عليها لا سياسياً ولا دينياً، تماماً كما كان الجميع يسلم أمره للرئيس المصري بوصفه القائد صاحب الرؤية الاستراتيجية.

تشبيه الشرع بعبدالناصر بحد ذاته يحمل بعداً ربما لمح إليه زيدان عمداً، ألا وهو الدور الذي يحلم المستشار بأن يؤديه الرئيس السوري في المنطقة، متجاهلاً ما بذلته وتبذله دول عربية عدة في مساعدة الشرع على الاحتفاظ بسلطته والمحافظة على وحدة بلاده منذ وصوله إلى السلطة قبل نحو تسعة أشهر.

أثار زيدان في مقالته أسئلة أخرى من قبيل: هل هناك خلافات علنية أو مبطنة بين التيارات الإسلاموية التي تبحث عن مكان لها في الدولة الجديدة؟ هل تخطط السلطة الجديدة في دمشق إلى إقصاء من يخالفها في السياسة كما تنصح اليوم "جماعة الإخوان"؟ وقبل هذا وذاك، هل سيقبل الشرع بالتعددية السياسية أصلاً؟

تشكيل الأحزاب على أساس ديني في سوريا هو بحد ذاته محط قلق وخلاف في سوريا اليوم، وبخاصة بعد الطريقة التي أقر الشرع فيها تشكيل مجلس الشعب الذي يفترض أن يكون بين أعضائه من يمثل أحزاباً وتيارات سياسية في البلاد، بينما قرر الرئيس أن يختار ثلثهم وتنتقي لجنة شكلها هو بنفسه بقية نواب المناطق.

يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي أن مستشار الشرع في مقالته يبعث برسائل إلى الدول العربية التي تحظر "الإخوان المسلمين" ولا تفضل أن يكون لها دور في سوريا الجديدة، ومن ثم هو يؤكد التزام دمشق في هذا الأمر، ويغلق الأبواب أمام محاولات التنظيم للعودة بعد سقوط الأسد. من ناحية أخرى، يلفت فرغلي إلى أن مطالبة زيدان جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا بحل نفسها يؤكد صواب مواقف الحكومات العربية من التنظيم، كذلك فإن مستشار الشرع مقتنع بتوجه تبنته الجماعة في مناطق عدة حول العالم، تخلت فيه عن اسمها وعملت تحت واجهات دعوية واقتصادية وإعلامية وسياسية مجتمعة.

يوافق المستشار الأكاديمي لمعهد السياسة والمجتمع في الأردن، محمد أبو رمان، برأي فرغلي حول الرسائل الخارجية بين سطور مقالة زيدان، ويضيف إليها بعداً سورياً يرتبط أولاً بالعداء التاريخي بين التيار السلفي الذي تمثله "هيئة تحرير الشام" و"الإخوان"، وثانياً بموقف الشرع نفسه من الجماعة كما ذكر في مناسبات سابقة.

و"تحرير الشام" هي جماعة سلفية جهادية قادت الفصائل المسلحة في معركة إسقاط الأسد خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كان يقودها الشرع وكانت مصنفة على قوائم الإرهاب الدولية، قبل أن تحل نفسها وتنضم إلى الجيش السوري الذي أعلنت السلطة الجديدة في دمشق عن تشكيله نهاية يناير (كانون الثاني) عام 2025.

أشار أبو رمان إلى مكانة زيدان في "تحرير الشام" ودوره في تواصلها مع العالم، وهو ما لمح إليه مستشار الرئيس في المقالة حين قال إنه "طالب بفك الارتباط بين "جبهة النصرة" وتنظيم "القاعدة" عام 2015"، منوهاً بأن دعوته لحل "إخوان سوريا" اليوم "يهمس بها كثير من شباب الجماعة في الجلسات الخاصة".

ويلفت أبو رمان إلى أن دمشق رفضت حتى لحزب "وعد" الإخواني بالعمل داخل سوريا، وهو حزب قال زيدان عنه إنه "ولد ميتاً لأن الجماعة فيه ظلت مشدودة للتاريخ والماضي أكثر من الحاضر والمستقبل"، وهنا يفهم من كلام المستشار هو أن الجماعة لن تعمل في السياسة وعليها أن تبحث عن مجالات أخرى.

* العنوان والنص لصحيفة “إندبندنت” السعودية

مشاركة المقال: