الثلاثاء, 26 أغسطس 2025 01:40 PM

تحول تاريخي: أمريكا ترفع العقوبات عن سوريا وتفتح آفاق الاستثمار

تحول تاريخي: أمريكا ترفع العقوبات عن سوريا وتفتح آفاق الاستثمار

في خطوة تعتبر تحولاً كبيراً في العلاقات السورية الأميركية منذ عقدين، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، عن إلغاء كامل للعقوبات المفروضة على سوريا. جاء هذا القرار بموجب الأمر التنفيذي (14312) الصادر في 30 يونيو/حزيران الماضي.

أوضح القرار أن "الظروف التي دفعت إلى فرض العقوبات على نظام بشار الأسد السابق قد تغيرت بشكل جذري خلال الأشهر الستة الماضية، بما في ذلك الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع". هذا الإعلان أنهى حالة الطوارئ الوطنية التي فرضتها واشنطن على دمشق منذ عام 2004، منهياً بذلك أكثر من عشرين عاماً من العقوبات.

ومع ذلك، استثنى القرار بعض الأفراد والكيانات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان أو بشبكات المخدرات، حيث بقيت أسماؤهم في قوائم العقوبات بموجب أوامر تنفيذية أخرى.

القرار سياسي بامتياز

في تحليل سياسي للقرار، صرح فاروق بلال، رئيس المجلس السوري الأميركي، بأن ما حدث "ليس مجرد رفع للعقوبات بل إلغاء شامل لها من القانون الأميركي". وأشار إلى أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لم يعد لديه السلطة القانونية لفرض أو متابعة أي عقوبات تتعلق بسوريا، مما يعني انتهاء حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بدمشق.

وأضاف بلال أن هذا القرار يعكس سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، والتي تميل نحو إعادة الانخراط مع الحكومة السورية الجديدة. واعتبر أن هذه الخطوة تحمل ثلاثة أبعاد رئيسية: قانوني (حذف جميع النصوص التنظيمية المتعلقة بالعقوبات)، وسياسي (إعلان رسمي بإنهاء ملف العقوبات)، واقتصادي (فتح الباب أمام التجارة والاستثمارات دون الحاجة إلى تراخيص).

أشار بلال إلى أن التحدي المتبقي يكمن في العقوبات التي أقرها الكونغرس الأميركي، والتي تتطلب تشريعات جديدة لإلغائها. كما لفت إلى أن العقوبات لا تزال مفروضة على حوالي 80 شخصية وكياناً مرتبطين بالنظام السابق أو بتجارة المخدرات، وعلى رأسها الكبتاغون.

ترحيب رسمي سوري

رحبت وزارة الخارجية السورية بالقرار الأميركي، واعتبرته "تطوراً إيجابياً في الاتجاه الصحيح"، مؤكدة أنه سينعكس بشكل مباشر على الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في البلاد. وأكدت الوزارة في بيانها أن إزالة اسم سوريا من مدونة القوانين الفيدرالية الأميركية سيسهل الحركة التجارية والمالية، ويرفع القيود عن الصادرات الأميركية إلى دمشق، مما يخفف من معاناة المواطنين ويهيئ لتعاون اقتصادي وتجاري جديد بين البلدين.

لقاء رفيع المستوى في دمشق

تزامنًا مع صدور القرار، استقبل الرئيس أحمد الشرع في دمشق وفدًا أميركيًا رفيع المستوى برئاسة توماس باراك، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا. وضم الوفد عضوي الكونغرس: السيناتور جين شاهين، والنائب جو ويلسون. وذكرت الرئاسة السورية أن اللقاء تناول مستجدات الأوضاع في سوريا والمنطقة، بالإضافة إلى سبل تعزيز الحوار والتعاون "بما يخدم الأمن والاستقرار". واعتبرت زيارة الوفد مؤشراً إضافياً على جدية واشنطن في إعادة صياغة سياستها تجاه سوريا بعد سنوات من القطيعة والضغط الاقتصادي.

انعكاسات اقتصادية وشيكة

من الناحية الاقتصادية، أكد أسامة القاضي، مستشار وزارة الاقتصاد والصناعة، أن القرار الأميركي سيكون له تأثير "إيجابي جداً" على الاستثمار والأسواق والبنوك. وأوضح أن رفع اسم سوريا من قوائم العقوبات سيشجع الشركات والمصارف الأميركية والأوروبية الكبرى على دخول السوق السورية، بعد انتظار الإزالة الرسمية من قوائم وزارة الخزانة.

وأضاف: "سنسمع قريباً عن طلبات من بنوك أميركية لدخول السوق السورية، وسنشهد إجراءات رسمية لدخول بعض الشركات الأميركية في مجال الغاز والنفط". وأشار إلى أن المستثمرين السوريين المقيمين في الولايات المتحدة سيكونون من أوائل المستفيدين، حيث يمكنهم العودة إلى السوق السورية دون الحاجة إلى استثناءات قانونية.

ويرى القاضي أن قرار الخزانة الأميركية سيفتح نافذة جديدة للاستثمارات في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، وسيعيد ربط سوريا بالنظام المالي العالمي بعد سنوات من العزلة. لكنه حذر من أن الاستفادة الكاملة من هذه الفرص تتطلب من الحكومة السورية تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز الشفافية، وإجراء إصلاحات قانونية لجذب المستثمرين.

أبعاد إقليمية ودولية

القرار الأميركي يحمل أبعاداً إقليمية أوسع، حيث يتيح لواشنطن تعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي في سوريا، في مواجهة النفوذ الروسي والإيراني المتزايد. كما يمنح الإدارة الأميركية فرصة لإعادة صياغة توازنات القوى في الشرق الأوسط عبر إشراك دمشق في ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة.

تسعى واشنطن من خلال هذه الخطوة إلى فتح صفحة جديدة مع الإدارة السورية، بما يضمن تحقيق الاستقرار ومنع عودة الفوضى، مع الإبقاء على أدوات ضغط محدودة مرتبطة بملفات حقوق الإنسان ومكافحة المخدرات.

بينما اعتبر المحللون السياسيون إلغاء العقوبات الأميركية عن سوريا خطوة لترجمة التوجهات الجديدة لواشنطن في المنطقة، ينظر إليه محللون اقتصاديون كبوابة لانفتاح طال انتظاره على الأسواق العالمية. وبين هذين البعدين، تبقى النتائج الفعلية مرهونة بقدرة دمشق على استثمار هذا القرار في تحسين الواقع المعيشي للسوريين، وبمدى استعداد واشنطن لترجمة قراراتها القانونية إلى سياسات عملية على الأرض.

مشاركة المقال: