فتاح عيسى ـ كوباني
يمثل الطريق التجاري الذي يمر عبر جسر "قره قوزاق" حلقة وصل حيوية بين مدينتي كوباني ومنبج، ويعتبر شرياناً اقتصادياً بالغ الأهمية لسكان المنطقة وتجارها على حد سواء. قبل إغلاقه في نهاية العام الماضي نتيجة للاشتباكات المسلحة، كان هذا الطريق يختصر المسافات ويضمن وصول السلع الأساسية والمواد الضرورية بشكل مباشر وسريع.
إلا أن إغلاق هذا الطريق، الذي جاء نتيجة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة عليه في نهاية عام 2024، قد أجبر التجار والأهالي على اللجوء إلى طرق بديلة أطول وأكثر تكلفة، والتي تمر عبر الرقة أو مدن أخرى تقع في ريف حلب والطبقة. هذا التحول انعكس بشكل واضح على الأسعار وتوفر السلع في أسواق كوباني، حيث يشتكي التجار والمستهلكون على حد سواء من ارتفاع التكاليف ونقص بعض المواد.
طرق بديلة تزيد الأعباء
يقول خليل بوزان (45 عاماً)، وهو تاجر مواد غذائية، في حديث لنورث برس: "لقد أصبح جلب المواد الغذائية مكلفاً للغاية بعد توقف وصولها المباشر من منبج إلى كوباني." وأوضح أن البضائع حالياً تنتقل من منبج إلى ريف حلب، ثم إلى الرقة، قبل أن تصل إلى كوباني، مما يزيد بشكل كبير من تكاليف الشحن والنقل.
ويرى بوزان أن إعادة فتح الطريق المباشر بين كوباني ومنبج سيساهم في خفض الأسعار بنسبة لا تقل عن 10%، حيث أن تقليل المسافة يعني تقليل تكاليف النقل والعمالة، وهو ما سينعكس إيجاباً على المستهلكين. وأشار إلى أن بعض المواد الغذائية قد لا تصل إلى كوباني في بعض الأحيان بسبب طول المسافة وارتفاع درجات الحرارة، مؤكداً أن معظم السلع الأساسية مثل المعلبات والسكر والأرز تأتي من منبج، وأن وصولها بشكل مباشر سيضمن توفرها بأسعار معقولة.
حليب الأطفال: ندرة وارتفاع جنوني في الأسعار
من جانبه، أفاد آراس محمد (32 عاماً)، وهو تاجر متخصص في بيع حليب الأطفال ومستلزماتهم، بأن إغلاق الطريق التجاري قد أثر بشكل مباشر على توفر أنواع الحليب في الأسواق، بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في أسعارها. وأضاف محمد لنورث برس أن بعض أنواع الحليب، مثل "بيبلاك"، قد اختفت تماماً من الأسواق، بينما يشهد حليب "سيليا" نقصاً متقطعاً بسبب عدم وجود مندوبين للشركات في الرقة، على عكس الوضع السابق عندما كان لكل نوع من الحليب مندوب يقوم بجلب البضائع من منبج بأسعار مناسبة.
وأشار محمد إلى أن تكاليف النقل قد ارتفعت بشكل كبير، موضحاً أنه كان يستأجر سيارة بمبلغ 20 دولاراً لجلب البضائع من منبج، بينما يكلفه نقلها من الرقة حالياً 70 دولاراً، وهي تكاليف إضافية تنعكس مباشرة على أسعار الحليب والفوط. وذكر أن أسعار علب حليب الأطفال قد ارتفعت بشكل ملحوظ، حيث كان حليب "سيليا" يباع بخمسة دولارات بعد شرائه من منبج بسعر أقل، بينما اليوم يتم شراؤه من الرقة بستة دولارات ويباع بسعر أعلى بعد إضافة هامش الربح. وأضاف أن سعر علبة حليب "كيكوز" ارتفع من خمسة دولارات إلى ما بين ستة وسبعة دولارات، كما ارتفعت أسعار فوط الأطفال، حيث كانت بعض الأنواع تباع بعشرة دولارات في منبج، بينما يتم شراؤها من الرقة بثلاثة عشر أو أربعة عشر دولاراً قبل إضافة تكاليف النقل.
وأوضح محمد أن سوق الرقة يفرض أسعاراً أعلى مقارنة بمنبج، مما يضطر التجار إلى رفع الأسعار، مشيراً إلى أن اختلاف سعر صرف الدولار يضاعف الأعباء على المستهلكين الذين يعبرون باستمرار عن استيائهم.
نقص حاد في الأدوية
بدوره، أوضح محمود كردي (54 عاماً)، وهو صاحب مستودع أدوية في كوباني، أن الأدوية كانت تصل في السابق من حلب إلى منبج ثم إلى كوباني، وأن الضرائب التي كان يفرضها النظام السابق كانت ترفع أسعار الأدوية بنسبة تصل إلى 28%. وأضاف كردي لنورث برس أنه على الرغم من إلغاء الضرائب المفروضة على الأدوية من قبل الحكومة الجديدة، فإن إغلاق الطريق التجاري بين كوباني ومنبج دفع التجار في كوباني إلى استيراد الأدوية من الرقة والطبقة والقامشلي، مما زاد من تكاليف الشحن وأدى إلى نقص في بعض الأصناف.
وأشار إلى أن هناك أصنافاً أساسية من الأدوية، تنتجها معامل مثل "يونيفارما" و"آسيا" و"ابن الهيثم"، لم تعد متوفرة بشكل كافٍ نتيجة لسيطرة تجار حلب ومنبج على الأسواق. ويرى كردي أن إعادة فتح الطريق بين كوباني ومنبج سيتيح جلب الأدوية مباشرة من حلب عبر منبج، مما سيؤدي إلى خفض الأسعار بنسبة 5% على الأقل، ويضمن توفر الأصناف التي يحتاجها السكان بشكل مستمر.
تحرير: معاذ الحمد