الخميس, 28 أغسطس 2025 11:26 PM

مأساة في السجون اللبنانية: مصير المعتقلين السوريين بين الإهمال والمساومة السياسية

مأساة في السجون اللبنانية: مصير المعتقلين السوريين بين الإهمال والمساومة السياسية

في السنوات الأخيرة، لقي حوالي 40 معتقلاً، من السوريين واللبنانيين، حتفهم في السجون اللبنانية نتيجة للإهمال الطبي وعجز الدولة اللبنانية عن توفير الغذاء والدواء لهم.

كان من المقرر أن يزور وفد رسمي سوري بيروت لبحث ملف الموقوفين السوريين وترسيم الحدود، لكن الزيارة أُجلت، مما يزيد من معاناة المعتقلين.

في منتصف أغسطس، شيع أهالي القصير أسامة الجاعور، الذي توفي في سجن رومية نتيجة تدهور حالته الصحية بسبب نقص الرعاية الطبية. كان الجاعور قد اعتُقل في عرسال عام 2015 بتهمة "الإرهاب" لانتمائه إلى كتائب "الفاروق" التابعة للمعارضة السورية، وحكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن المؤبد عام 2019.

الجاعور هو واحد من بين 40 معتقلاً توفوا داخل السجون اللبنانية في العامين الأخيرين بسبب الإهمال الطبي، وفقًا للمحامي محمد صبلوح، الذي حذر من أن السجون في لبنان على وشك الانفجار بسبب الوضع المأساوي وعجز الدولة عن تأمين الاحتياجات الأساسية للمعتقلين.

يواصل ذوو المعتقلين، المتهمين بـ"الإرهاب" أو ما يعرف بملف "الإسلاميين"، تنظيم وقفات احتجاجية ومناشدات للسلطات اللبنانية والسورية، مطالبين بالإفراج عنهم. وقد نظموا وقفات احتجاجية أمام معبر جوسية الحدودي وسجن رومية.

في 25 أغسطس، قدم سجناء في لبنان سلسلة من الحلول الإنسانية، بما في ذلك تقليص السنة السجنية إلى ستة أشهر وإخلاء سبيل من قضى أكثر من عشر سنوات دون محاكمة، وتسليم جميع المعتقلين السوريين إلى سوريا.

كانت الحكومة اللبنانية قد ناقشت مشروع قانون لخفض السنة السجنية ورفضت منح عفو عام استثنائي، على الرغم من الاكتظاظ الشديد في السجون، حيث يتجاوز عدد النزلاء في سجن رومية قدرته الاستيعابية.

تعود القضية إلى اتهام غالبية المعتقلين بالمشاركة في معارك ضد الجيش اللبناني في جرود عرسال عام 2014.

معاناة نفسية وجسدية

تعرض المعتقلون في سجن رومية، خاصة في السنوات الأولى، لتعذيب شديد وإهمال طبي متعمد، حيث يشتكون من عرقلة وصول الدواء وتأخير نقلهم إلى المستشفيات. مثال على ذلك، معتقل سوري كان بحاجة إلى عملية قلب مفتوح، لكنه توفي بعد اكتمال المبلغ المطلوب للعلاج.

تكررت حوادث الوفيات في سجن رومية دون أن تفتح الدولة اللبنانية تحقيقًا واحدًا، رغم الادعاءات القضائية.

اشتكت آمنة حربا من سوء حالة شقيقها حسن، المعتقل في سجن رومية، والذي يعاني من نقص المناعة بعد إضرابه عن الطعام وإصابته بفيروس كورونا. وقد تقدمت المحامية ديالا شحادة بأدلة على براءة حربا، المعتقل بسبب تشابه اسمه مع شخص آخر.

واقع السجون اللبنانية انعكس على الحالة النفسية للسجناء، حيث أقدم معتقلون على الانتحار احتجاجًا على الأوضاع. ويعاني المعتقلون من تحطم نفسي وانهيار عصبي بسبب أخبار الوفيات وحوادث الانتحار.

عرقلة تسليم المعتقلين

عندما أبدى السجناء السوريون مخاوفهم من تسليمهم لنظام الأسد، أقدم لبنان على ترحيل عدد منهم، وتوفي بعضهم تحت التعذيب في سوريا. في المقابل، تعرقل السلطات اللبنانية تسليم المعتقلين إلى الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، رغم أنه أحد مطالب المعتقلين وذويهم.

ترى الإعلامية صبا مدور أن ملف معتقلي لبنان هو ملف سياسي، وهذا يفسر تراجع السلطات اللبنانية عن تسليم المعتقلين بعد تولي الشرع. ويمكن توظيف هذا الملف في الضغط على دمشق في مسألة العلاقة مع حزب الله.

يرى قتيبة إدلبي أن حزب الله يعطل تنفيذ الاتفاق مع لبنان، وهو المتسبب باعتقال السوريين هناك. وقد ناقش وزير الخارجية السورية، أسعد الشيباني، مع رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، ضرورة تسريع إنهاء معاناة السوريين الموقوفين في سجن رومية.

يحتاج ملف المعتقلين إلى ضغط أكبر من الحكومة السورية وتدخل أطراف إقليمية راعية للعلاقة بين سوريا ولبنان.

كان وزير الداخلية اللبناني السابق بسام مولوي يشير إلى عدم قدرة لبنان على تحمل ضغط اللاجئين، بمن فيهم المعتقلون في السجون. وبعد سقوط الأسد، توقفت السلطات عن تسليم أي منهم للجانب السوري، وكأن لبنان يريد تحقيق مكاسب سياسية من سوريا عبر ملف المعتقلين.

يرى محمد حسن أن ملف المعتقلين السوريين يواجه عراقيل، أبرزها غياب آلية قانونية شفافة للتعاون بين لبنان والحكومة السورية المؤقتة، والتعامل معه بمنطق أمني وسياسي.

تواصلت "سوريا على طول" مع مدير مكتب التنسيق في وزارة الخارجية السورية عبد المعين الدندل، لكن لم تتلق رداً.

يتوقع المحامي نبيل الحلبي أن يتم تحرير ملف المعتقلين من التجاذب السياسي، وأن يتم ترتيبه أمنياً وقضائياً تمهيداً لتسليم الموقوفين السوريين لبلدهم، استناداً إلى اتفاقية الأخوة والتعاون بين لبنان وسوريا.

مشاركة المقال: