قاسم س. قاسم
لم تكن الحرب التي نشبت بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران الماضي مجرد مواجهة عابرة، بل كانت لحظة محورية في تاريخ الصراع بين الطرفين، اللذين تواجها مباشرة بعد سنوات من تبادل الضربات في ما عرف بـ«حرب الظل». ونظراً لأهمية تلك الحرب، عقدت جامعة تل أبيب مؤتمراً بعنوان «الأسد الصاعد: الحرب على إيران» (10 آب/أغسطس 2025)، بمشاركة نخبة من القادة الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين، الذين قدموا شهادات كشفت جانباً من الرواية الإسرائيلية للعملية التي بدأ التحضير لها منذ عام 1995، وتحديداً في زمن رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين.
من «المسافة المستحيلة» إلى السيادة فوق طهران
منذ منتصف التسعينيات، تأكد لإسرائيل أن سلاح الجو سيمثل رأس الحربة في أي مواجهة مع إيران؛ لذا، فإن «الاستعداد لاحتمال ضرب إيران بدأ منذ 1995 بشراء مقاتلات F-15»، وفقاً للقائد الأسبق لسلاح الجو، اللواء إيتان بن إلياهو، الذي كشف أنه قبل حوالي سنة من عملية «الأسد الصاعد»، وتحديداً في نيسان/أبريل 2024، بدأ الأميركيون يدمجون خططهم لضرب إيران بالخطط الإسرائيلية، في توجه عززه حدثان مهمان مرتبطان بـ«تطهير» الممر المؤدي إلى طهران: الضربة الأولى في 19 نيسان/أبريل الماضي، والتي استهدفت فيها إسرائيل الرادارات في طهران (بعد رد إيران على قصف قنصليتها في سوريا)، والثانية في 26 تشرين الأول/أكتوبر، إثر عملية «الوعد الصادق 2».
كما كشف بن إلياهو أن خطة هجوم حزيران/يونيو 2025 كادت تلغى، بعدما «توصل الإيرانيون إلى استنتاج مفاده أن المنطقة (لم يحددها) فقيرة بالدفاعات الجوية. فجمعوا منظومات الدفاع الجوي وحركوها من عمق إيران إلى تلك المنطقة التي بدت لهم أهم. هذا عطل للحظة خططنا وجاهزيتنا، لأنه تعين علينا من جديد تحديد مواقع منظومات الدفاع الجوي بدقة عبر أنحاء إيران».
أما نائبة المدير العام في «إلبيت سيستمز»، فيرد حاييموفيتش، فتحدثت حول دور المسيرات في الحرب، قائلة إن «ما تحقق اليوم هو تتويج لمسار طويل بدأ في الثمانينيات والتسعينيات». وأوضحت أن الهدف من مشروع الطائرات المسيرة، كان مواجهة أرتال الدبابات السورية في جبهة الجولان بوسائط جديدة؛ لكن مع مرور الزمن، تطورت هذه المنظومات لأداء مهام متعددة: من الاستطلاع والدعم إلى الهجوم المستقل، في حين تعد حالياً العمود الفقري لسلاح الجو.
وكشفت حاييموفيتش أن 80% من ساعات الطيران اليوم، و60% من الضربات، تنفذها الطائرات غير المأهولة، مشيرة إلى أن ما عزز من أهمية هذا السلاح، هو توفيره، بالاشتراك مع الأقمار الصناعية، معلومات مباشرة في «الزمن الحقيقي» للأهداف المتحركة؛ إذ إن «استخبارات الزمن الحقيقي بالغة القيمة: حين تهاجم أهدافاً ثابتة ومحضرة مسبقاً فالأمر أسهل نسبياً، لكن حين تهاجم أهدافاً تجمع معلوماتها في الزمن الحقيقي وتتحرك وتغير مواضعها وتختبئ في تضاريس مختلفة، يغدو الأمر مركباً جداً. وهنا تفوق كبير للدرونات».
«ماذا يعني ذلك للحرب المقبلة؟ ما الذي يمكن أن نضيفه كي تعمل المسيرات بكفاءة أعلى؟»، تساءلت حاييموفيتش، قبل أن تجيب بأنه «بسبب تأثير الحجم/الكم، لن نكتفي بما لدينا؛ سندخل قدراً أكبر بكثير من الاستقلالية إلى المنظومات. اليوم بعض الدرونات تمتلك استقلالية في الملاحة، وبعض المسيرات الصغيرة تبرمج للطيران من نقطة إلى نقطة.
الجيل المقبل سيحتاج استقلالية «مهماتية»: إزاء مهمة بعينها، عليه أن يفهم أين هو، ماذا يفعل، وأن يتخذ قرارات وفق تغير ظروف الميدان ويتصرف». وأضافت: «سندخل الكثير من الذكاء الاصطناعي – وهذا جار بالفعل – في تحليل الكم الهائل من البيانات المجمعة. كما سندخله في الصيانة التنبؤية واللّوجستيات». وختمت بالقول: «الحروب – للأسف – باقية. يجب أن نكون يقظين ومستعدين ومبدعين. المنظومة كشفت بعض قدراتها – لا كلها – وهناك أمور كثيرة نعرف فعلها ولم تنشر.
ماذا نحضر مفاجآت في المرات القادمة؟ بناء القوة التقليدي لا يمكن أن يبقى كما هو؛ يجب أن يكون أكثر رشاقة وتكيفاً. لا أعلم إن كنتم تعلمون: نحن شبه قوة عظمى في مجال الدرونات عالمياً. ربما الآن مع موجة عدم الود لنا عالمياً سيحصل تراجع، لكن عندما تهدأ الأمور سنعود إلى موقع الريادة وسيشترون الدرونات الإسرائيلية. وهذا يتطلب استثمارات كبيرة».
من جهته، قال رئيس إدارة شركة «رافائيل» للصناعات العسكرية، يوڤال شتاينتس: «جلس معنا قائد سلاح جو لدولة كبرى في معرض RIAT في بريطانيا، وقال: كيف حققتم سيادة جوية في أثناء 48 ساعة فوق طهران، بينما روسيا لم تنجح في فرض سيادة فوق كييف القريبة من حدودها؟»، وهو ما مثل شهادة على أن إسرائيل، برغم صغرها وهشاشتها الإستراتيجية، قدمت أداء يحاكي قوى عظمى. وأضاف أنه «عملياً، كانت لدينا ثلاثة شروط حتمية: سلاح جو بمستوى رفيع جداً، استخبارات بمستوى غير معقول وتكنولوجيات ابتكارية لا نظير لها في أي دولة أخرى، بما فيها القوى الكبرى.
«الإيرانيون جيدون جداً وأصلاء تكنولوجياً، وقد واجهنا خصماً شديد الجدية في المستوى»
وإذا اضطررت إلى اختيار واحد من الثلاثة، فهذه الحرب كانت أولاً وقبل كل شيء انتصار التكنولوجيا الإسرائيلية على التكنولوجيا الإيرانية، المدعومة طبعاً بتكنولوجيا روسية وصينية وغيرها»، مستدركاً بأن «الإيرانيين جيدون جداً وأصلاء تكنولوجياً، وقد واجهنا خصماً شديد الجدية في المستوى».
وأوضح شتاينتس أن الغارات الإسرائيلية ركزت بشكل كبير على البرنامج الصاروخي الإيراني؛ إذ إن إيران كانت تملك القدرة على تصنيع قنبلة نووية، لكنها لم تكن تمتلك القدرة على وضعها على صاروخ. وأضاف: «من وجهة نظرنا، كان لا بد من الضرب في المسارين كليهما، على أن يكون التركيز الأشد على مرحلة التسليح، لأنها كانت العائق الأهم الباقي أمام إيران لعبور العتبة نحو سلاح نووي».
وتابع «في مجال التسليح / التفجير، الضرر يقترب من 100%: أصيب كبار العلماء الأساسيين المنخرطين في تركيب آلية التفجير، وضُربت المختبرات ومرافق التجارب». كذلك، رأى أن «معظم الاعتراضات كانت مبهرة: الكل يتحدث عن الصواريخ الباليستية – وهذا مهم – لكن أطلق علينا أيضاً أكثر من ألف مسيرة وصاروخ كروز؛ لم يخترق سوى واحد منها وأصاب منزلاً في بيت شان». واستدرك بأن «الإيرانيين سريعو التعلم.
لا تستهينوا بهم لا تقنياً ولا من حيث استخلاص العبر. سيسعون الآن إلى مفاجأتنا بعد أن فاجأناهم. لا حصانة مطلقة من المفاجآت الاستخبارية؛ أفضل استخبارات في العالم قد تفاجأ أحياناً. لذا علينا أولاً الحذر كي لا يفاجئونا، وثانياً مواصلة مفاجأتهم – تقنياً». ومن هنا، انتقل إلى «قضية الليزر»، حيث كشف أنه في حربَي لبنان وإيران، «أسقط جهاز ليزري واحد (وهو الأصغر لدينا) عشرات عديدة من المسيرات بمعدلات نجاح مذهلة، في حين أن المنظومة الأكبر (درع الضوء) ستسلم إلى الجيش بعد ثلاثة أشهر، وستوفر – في مرحلتها الأولى – دفاعاً أفضل بكثير ضد التهديدات القصيرة والمتوسطة المدى»، بحسب شتاينتس، الذي قدر أنه «خلال نحو خمس سنوات، سنبلغ ليزراً يعمل على مسافات أطول بكثير ويعالج حتى الصواريخ الباليستية من إيران واليمن».
المستقبل للفضاء
في الإطار نفسه، تحدث رئيس مديرية الفضاء في إدارة الأبحاث وتطوير الوسائل القتالية والبنى التكنولوجية «مفآت»، آفي برغر، عن «بعد الفضاء» وتأثيره في القتال، قائلاً: «أصبح الاشتباك مباشراً مع دولة تبعد 1500 – 2000 كيلومتر، ومع سبع ساحات تعمل في آن واحد. تكلفة الوصول إلى الفضاء تهاوت من نحو 100 ألف دولار/كغ قديماً إلى 2000–2500 دولار، وهذا يبدل قواعد اللعبة». وتابع: «حين تقاتل دولة بعيدة بهذه المسافة، يصبح الفضاء حاسماً.
ومع سبع ساحات، تحتاج الأقمار إلى أن تكون في كل مكان بالتوازي. تأثير البعد الفضائي كان شرطاً: من الاستخبارات المسبقة (متابعة النمط اليومي لتهيئة بنك الأهداف)، إلى يوم العملية (المصادقات الآنية)، إلى القتال (التّتبّع، الاتصالات…). لقد أدينا جيداً، ومعنا دروس يجب تطبيقها»، لافتاً، في هذا المجال، إلى أن «الإيرانيين – برغم الضربة التي تلقوها – لديهم تراكم في الإطلاقات الباليستية إلى الفضاء، وقدرات تشويش فضائي لمسناها في هذه الحرب».
كذلك، أشار برغر إلى أن التكنولوجيا اليوم تتيح بناء أقمار تجعل «الشرق الأوسط على كف اليد»: تغطية 24/7، بكل الأنماط، في كل نقطة، مستدركاً بـ«(أننا) سنواجه طوفان بيانات يتدفق كل دقيقة: كيف نلتقطه ونديره وندمجه ونحوله إلى أثر عملاني متعدد الساحات؟ هذا تحد تقني هائل؛ والذكاء الاصطناعي سيدخل هنا بقوة كبيرة».
بالانتقال إلى مديرة ملف إيران في «معهد ميمري»، أيليت سَفيون، فهي رأت أنه رغم أن الحرب فاجأت إيران تكتيكياً، فإن الأخيرة صمدت في وجه قوتين نوويتين، مشيرة إلى أن «الأمر استغرق يومين لتنهض، وتستبدل القيادات المصابة في القمة الأمنية والعسكرية – بل والعلمية –، ثم ترد باستخدام الذراع الصاروخية بدقة، وتضرب بنى تحتية عسكرية ومدنية – إستراتيجية، وتستهدف عمق الجبهة الداخلية» للعدو. وأعربت عن اعتقادها بأن الإيرانيين يعملون على «مفاجأة ما»، لافتةً إلى أن ذراعهم الصاروخية أثبتت – بحسب روايتهم – قوة ودقة، ومع الوقت، أطلقوا «أقل وبمديات أبعد»، مستخدمين تقنيات أحدث (منها رؤوس عنقودية، و«مناورة في مرحلة السقوط»)، مضيفةً أن الدرس الذي استخلصوه من الحرب، هو «مواصلة تطوير الذراع الصاروخية متوسطة المدى، بل والعابرة للقارات تحت غطاء برنامج الفضاء».
«الحروب القادمة ستدار من الفضاء. السيطرة ستكون فضائية، وعناصر متعددة ستكون في المدار»
كذلك، لفتت إلى أن إيران تتبع، منذ وقف الحرب «غموضاً نووياً»، معتبرة أنه إن كانت «بنيتها النووية» قد تضررت، فهي «تشتري الوقت» لتواصل ما يمكنها توسيعه، في حين أنها «في الدفاع الجوي تسعى إلى تعزيز (ربما بمساعدة روسيا والصين)، كما تعيد بناء محورها المتضرر».
من جانبه، بين المدير العام لـ«الصناعات الجوية الإسرائيلية»، بوعاز لِڤي، أنه «عندما دخلنا حرب السيوف الحديدية، كانت لدى إسرائيل قدرات تقنية كثيرة مكنت الدولة من الوصول إلى ما وصلت إليه. وفي أثناء المعركة، اضطررنا إلى سد فجوات وبناء صلات جديدة، أساسها التحامنا بثورة الذكاء الاصطناعي. في النهاية، ربطنا طائرة المهمة برادار أرضي، بقمر في الفضاء، فباتت البيانات تصل إلى الطيار في الكابينة في لحظة الحقيقة، وتمكنه من ضرب الإحداثية المطلوبة. نعم، هذه أمور حدثت في هذه الحرب، وهي مما جعلها أول حرب مستقبلية».
وأضاف: «حروب المستقبل كثيراً ما وصفت بدرجات عالية من الاستقلالية ومنظومات متقدمة. نرى اليوم مستويات متعددة من الاستقلالية في الميدان. أود القول إننا بين من يقود السباق: مسيرات، وذخائر تجول انتحارية، تعمل في بيئات مختلفة؛ وبعض المنظومات حسمت المعركة». ورأى أن «الحروب القادمة ستدار من الفضاء. السيطرة ستكون فضائية، وعناصر متعددة ستكون في المدار. ينبغي أن نضع الأجسام اللازمة هناك: قدرات استشعار – لدينا منها اليوم –، ولعل الجميع لاحظ تنبيه هاتفه قبل صفارة الإنذار، جزء من ذلك يأتي من الأقمار.
وهناك قدرات جلب المعلومات من الفضاء، التي تمر عبر آليات ذكاء اصطناعي، ثم تصل إلى كل مستهلك لها. والسؤال الكبير، ربطاً بسرعات الصواريخ: هل سنستخدم الفضاء لاعتراض الصواريخ الباليستية؟ المسألة ليست بسيطة: الاعتراض يجب أن يكون عالياً وبعيداً، لا قريباً ومنخفضاً لأن الشظايا عندها تحدث ضرراً أكبر من النفع. نريد رفع سطح الاعتراض إلى أعلى ما يمكن؛ وهنا للفضاء دور هائل».
أين «اليوم التالي»؟
«في عام 2003 طلب مني من قبل رئيس الموساد آنذاك، مئير داغان، أن أبلور إستراتيجية الموساد حيال الملف النووي الإيراني. صحيح أن ذلك كان بعد سنوات طويلة من شروعنا في معالجة هذه القضية في منتصف التسعينيات، في عهد إسحاق رابين، لكن هذه المرة طلب أن نعمل بصورة منظمة ومنسقة»، بحسب ما رواه تمير باردو، الرئيس السابق لـ«الموساد». فنّد باردو أنه من أجل منع وصول إيران إلى سلاح نووي، كان أمامنا ثلاثة خيارات: غزو على طريقة العراق، إطاحة النظام القائم والإتيان بنظام جديد (عن طريق ثورة من الداخل)، والمفاوضات.
ارتأت إسرائيل أن الغزو غير ذي صلة في حال دولة بحجم نصف قارة أوروبا؛ وأن الثورة حدث داخلي قد يقع غداً صباحاً أو قد يستغرق خمسين سنة، والقدرة على فرضها من الخارج غير متاحة عملياً. «حين فهمنا ذلك، طورنا نموذجاً سميناه «نموذج الطوابق العشرة»: يبدأ من الطابق الأدنى حيث الرأي العام، الصحافة، الإعلام، الأمم المتحدة، مؤتمرات من هذا النوع، وصولاً إلى الطابق العاشر – السقف – وهو الحرب.
الهدف: ألا نبلغ طابق الحرب، وأن نعمل بكل سبيل ممكن لوقف المشروع قبل الوصول إليه»، وفق باردو، الذي بين أيضاً أنه وفقاً لهذه الرؤية، «حتى لو وصلنا إلى الطابق الأخير، أي الحرب المفتوحة، فسننتهي إلى مفاوضات مع الحكومة، وفي تلك المفاوضات سيتوصل إلى اتفاق. بالمناسبة، اتفاق 2015 جرى بينما كنا في مناطق الطوابق 5 و6 و7».
على أنه اليوم، بعد مرور شهرين تقريباً على الحرب، «لا أحد يجلس معنا إلى أي طاولة مفاوضات. فكيف تخطط لحرب هدفك الأساسي منها هو إحضار الطرف الآخر إلى الطاولة؟»، تساءل باردو، مضيفاً إلى ذلك تساؤلات إضافية من بينها «تلك الـ400 كيلوغرام، ماذا جرى لها؟ كم فقد منها حقاً؟ ما الذي يمكن تهريبه بلا مفتشين؟ وهل ستبقى لدى الإيرانيين قدرة تمكنهم من مفاجأتنا، مثلما فعلت كوريا الشمالية في مرحلة ما حين أرادت أن تضع نفسها على الخريطة وتمنع مغامرات عسكرية ضدها.
إذاً السؤال: هل دخلنا القتال ونحن نعلم أننا سننهيه بلا مفاوضات، وبلا رقابة متواصلة على مكان المادة المخصبة، وبلا معرفة ما سيحل بها؟» وخلص إلى «(أننا) يجب أن نكون حذرين جداً؛ فلا ضمانة بألا يتحول حتى النصر الأشد إبهاراً، من دون خطة سياسية، إلى هزيمة».
أما الرئيس الأسبق للواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات، إيتي برون، فنبه إلى أن «الاستخبارات الإسرائيلية، ورغم كونها الأفضل عالمياً في توليد الأهداف، الإشارة إلى التهديدات، هي أقل جودة في الفهم الأوسع للواقع (نعرف أين نصر الله، لكننا أقل معرفة بماذا يفكر وماذا سيفعل)»، مضيفاً أن «سلم الأولويات في السنوات / العقود الأخيرة تركز على إيران وحزب الله. لكن حتى في هاتين الساحتين، رأينا في أثناء العامين الأخيرين فجوات كبيرة».
واستنتج أنه «من الأفضل أن تكون في جانب «المفاجئ» لا «المفاجأ». القدرة المتراكمة لهجوم مباغت تقلص عدم اليقين وتفرض يقيننا على الطرف الآخر»، مشيراً إلى «(أننا) وصلنا إلى حزب الله بعد نحو عام من تبادل الضربات، وإلى إيران بعد نحو عامين؛ هذا الاحتكاك الذي حصلت فيه أحداث وأمكن اختبار أمور، قلص حال عدم اليقين». وانتهى إلى «أننا حققنا نجاحاً كبيراً؛ لكن يجب ألا يعمي ذلك عن فشل 7 أكتوبر وضرورة التعلم منه».
كيف يفكر «محور المقاومة» بالنصر؟
بحسب الرئيس الأسبق للواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات، إيتي برون، فإنه في المدة الممتدة من حرب الخليج الأولى حتى حرب لبنان الثانية (1991–2006)، رأت هذه الأطراف «النصر في عدم الخسارة»؛ أي أنها «أدركت تفوقنا العسكري –التقني، وحددت نقاط ضعفنا، وركزت على إبقاء فكرة المقاومة حية، وحرمان إسرائيل من نصر واضح؛ مع رهان على أن الأخيرة ستذبل من داخلها». أما في الخمسة عشر عاماً التالية، فاتجهت نحو «تطورات القدرات (صاروخية، دقة، اقتحام حدود، دفاع طبقي)، لتنبثق لديها نظرية نقاط: سيلحق الأذى بالطرفين، لكن سيعرف من انتصر بالنقاط».
في تشرين الأول/أكتوبر 2023، فهم المحور أن «الضربة القاضية» لم يحن وقتها بعد، فتواضع أطرافه على فكرة «إنهاء الحرب بشروطنا»: «تبقى حماس ما أمكن، لا تغيير في لبنان، وإجبار إسرائيل على إنهاء الحرب بلا نصرها المتخيل». وإذ أشار برون إلى أنه «لم ينفع إيران شيء: لا الوكلاء، ولا قدراتها الذاتية، ولا الردع النووي من دون قنبلة، ولا اصطفافها مع القوة الصاعدة (روسيا/الصين)»، فهو استدرك بأنها وحلفاءها «يتحدثون عن نصر. لماذا؟ لأنهم يؤمنون بمنطق نصر بلا انصياع: لم يقدموا تنازلات في النووي، وأوقعوا – بحسب رؤيتهم – أضراراً جسيمة، وبقيت لديهم قدرات».
لكن ما الذي منع المحور من تنفيذ ضربة مركبة في 7 أكتوبر؟ أجاب برون بأنه «سيجري عندهم نقاش طويل لسنوات. أنا أرى البداية: الجواب في الفجوات داخل المحور. يتكلمون لغة واحدة ظاهرياً، لكن بينهم فروق: الجميع تحدث عن هزيمة إسرائيل بضربة قاضية، لكن البعض رأى أنها مستقبلية وتأخذ وقتاً، والبعض رآها الآن. هل كانت الفجوات واضحة بينهم؟ لست متأكداً.
ربما بسبب طبيعة الاتصال عندهم، اعتقد كل طرف أن الكل يفهمه. ماذا كان في ذهن السنوار والضيف؟ هل توقّعا مشاركة المحور باحتمالية عالية؟ هل تمنيا؟ أم حاولا جره؟ لا أعلم. لكن نصر الله صمت شهراً، وفي 3 تشرين الثاني/نوفمبر قال صراحة: لم نبلغ الضربة القاضية، علينا الانتصار بالنقاط؛ هذه كلماته. أظن أن نقداً تاريخياً داخلياً سيطال السنوار للاستعجال، ونصر الله لعدم المشاركة. لو شارك، لكانت النتيجة مختلفة».
أخبار سوريا الوطن-الأخبار