أكد تقرير حديث صادر عن لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وجود انتهاكات خطيرة وواسعة النطاق ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة ولا تزال. وشدد التقرير على أن هذه الانتهاكات باتت تشكل سياسة ممنهجة تقوم على التعذيب المنظم وحرمان المعتقلين من حقوقهم الأساسية، ولا سيما خلال العامين اللذين أعقبا اندلاع حرب الإبادة في السابع من تشرين الأول 2023.
وأشارت اللجنة الأممية المؤلفة من عشرة خبراء مستقلين، في تقريرها الدوري للدول الموقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب، إلى أنها تلقت كماً كبيراً من الشهادات التي تشير إلى استخدام واسع لأساليب التعذيب، من بينها الضرب المبرح المتكرر والهجمات بالكلاب والصعق الكهربائي والتعذيب بالماء، إضافة إلى العنف الجنسي والإذلال المتعمد.
ولفت التقرير إلى وجود ممارسات مهينة للكرامة الإنسانية، إذ أجبر معتقلون فلسطينيون على "التصرف كالحيوانات" أو على التعرض للإهانة الجسدية، فضلاً عن الحرمان الممنهج من الرعاية الطبية.
اعتقال إداري بلا محاكمة… وأطفال خلف القضبان
أشار التقرير إلى الاستخدام الواسع لقانون "المقاتلين غير القانونيين" الذي تعتمد عليه إسرائيل لاحتجاز آلاف الفلسطينيين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، لفترات طويلة دون لوائح اتهام. وتوقفت اللجنة بقلق بالغ عند "النسبة المرتفعة للأطفال المحتجزين دون تهم"، مشيرة إلى أن سن المسؤولية الجنائية في إسرائيل هو 12 عاماً، ورغم ذلك فقد تم اعتقال أطفال دون هذا العمر وحرمانهم من التواصل المنتظم مع عائلاتهم، وقد يحتجزون انفرادياً دون تعليم، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية الخاصة بحماية القاصرين.
وفيات غير طبيعية… بلا محاسبة
سلط التقرير الضوء على 75 حالة وفاة لمعتقلين فلسطينيين خلال فترة حرب الإبادة الأخيرة على غزة، وهي فترة شهدت تدهوراً غير مسبوق في ظروف الاعتقال بحسب وصف خبراء، مؤكداً أن عدد الوفيات مرتفع بشكل غير طبيعي، في غياب كامل لمساءلة مرتكبي تلك الجرائم. ولفت التقرير إلى وجود إدانة وحيدة خلال العامين الماضيين تتعلق بالتعذيب، وهي لجندي إسرائيلي اعتدى على معتقلين مكبلين من غزة، وحكم عليه بالسجن سبعة أشهر فقط، وهو عقاب وصفته اللجنة بأنه "لا يتناسب إطلاقاً مع خطورة الجريمة".
إدانات أممية ودولية متصاعدة لانتهاكات الاحتلال في غزة
تترافق هذه المعطيات في ظل استمرار موجة واسعة من الإدانات الأممية والدولية للانتهاكات التي تواصل إسرائيل ارتكابها في غزة، حتى بعد دخول اتفاق وقف النار حيز التنفيذ، إذ أكدت تقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومنظمتي "اليونيسف" والصحة العالمية أن المدنيين الفلسطينيين، ولا سيما الأطفال والنساء، تعرضوا لاستخدام مفرط للقوة واستهداف مباشر، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن حجم الدمار في القطاع وارتفاع أعداد الضحايا يشكلان دليلاً على عدم احترام إسرائيل لمبدأ التمييز وحماية المدنيين، فيما وصفت المقررة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي، السياسات الإسرائيلية بأنها قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
حادثة جنين… نموذج للعنف خارج القانون
تزامن صدور التقرير الأممي مع حالة استنكار واسعة أثارها مقطع فيديو موثق، نشر الخميس الماضي، يظهر جنودا من حرس الحدود الإسرائيلي وهم يطلقون النار على فلسطينيين اثنين في مدينة جنين أثناء خروجهما من أحد المباني، رغم رفعهما أيديهما وإبدائهما عدم حمل أي سلاح. حيث يبين التسجيل خروج الفلسطينيين ببطء قبل أن يطلب منهما أحد الضباط العودة إلى داخل المبنى، ليتم بعدها إطلاق النار عليهما من مسافة قريبة جداً. وبالرغم من خطورة الحادثة وما تضمنته من انتهاكات واضحة، أفرج عن الضباط الثلاثة بعد استجوابهم، في خطوة تعد مؤشراً إضافياً على استمرار سياسة الإفلات من العقاب داخل منظومة الاحتلال.
نداء عاجل للمحاسبة
وترى لجنة الأمم المتحدة أن السياسات التي تمارسها إسرائيل يومياً في الأراضي الفلسطينية، "قد تصل في مجملها إلى مستوى التعذيب"، مطالبةً بمحاسبة الجناة ووقف استخدام العزل الانفرادي ضد الأطفال وإنهاء نظام الاعتقال الإداري. وفي ظل استمرار هذه الانتهاكات، يؤكد الخبراء الأمميون أن غياب المحاسبة يشكل بيئة خصبة لتكرار الجرائم، ويقوض التزامات إسرائيل الدولية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984.