أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في ألمانيا تراجعاً ملحوظاً للأحزاب التقليدية، بينما حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي مكسباً كبيراً، حيث حصل على 20.6% من أصوات الناخبين، ليحتل المرتبة الثانية بعد "الاتحاد المسيحي" وقبل "الحزب الاشتراكي الديموقراطي". يسعى حزب "البديل" الآن إلى فرض نفسه كشريك في أي ائتلاف حكومي مستقبلي، مدعوماً باستطلاعات الرأي التي تشير إلى تعادله مع "الاتحاد المسيحي" الحاكم، على الرغم من التهديدات بتصنيفه حزباً يمينياً متطرفاً.
تعتمد استراتيجية الحزب اليميني الشعبوي على تعزيز صورته الذاتية من خلال العمل على أفكار ومقترحات للجمعيات الحزبية، وتشكيل مجموعات نشطة لتوسيع قنوات التواصل مع الناخبين وكسبهم إلى صفوفه. يسعى الحزب إلى ترسيخ مكانته، خاصة في الولايات الشرقية، من خلال استقطاب العمال والشباب والناخبين الجدد، بالإضافة إلى سكان المناطق الريفية، وبناء قاعدة ناخبين دائمة.
يعمل "البديل" أيضاً على جذب الألمان من أصل روسي ومغازلة المسيحيين، بهدف تغيير المناخ الاجتماعي للحزب والتخلص من صورته كمحرّض على الشغب، وقبوله كحزب "شعبي ليبرالي محافظ". يسعى الحزب أيضاً إلى زيادة الضغط على "الاتحاد المسيحي" في ما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية، مستغلاً عدم رضا الناخبين عن التوجهات العامة وتراجع القدرة الشرائية للأفراد. ويرى سياسيو "البديل" أن تحقيق تحول في مجال الاقتصاد والهجرة يتطلب وجودهم كقوة سياسية دافعة في الحكومات.
يستغل "البديل" أيضاً "الصراع الثقافي" بين شريكي الحكومة الفيدرالية، وخلق شرخ في قضايا جوهرية. وترى الباحثة في علم الاجتماع السياسي سفينيا بولمان أن "الحزب المسيحي الديموقراطي" وقع في فخ "الحرب الثقافية" التي ينتهجها "البديل".
في استطلاع لمعهد "إنسا"، تعادل "البديل" مع الاتحاد المسيحي الحاكم بنسبة 25% من أصوات الناخبين، بينما حل الاشتراكي ثالثاً بنسبة 15%. يشير الحزب اليميني الشعبوي إلى عزمه نزع الشرعية عن النظام البرلماني الديموقراطي وتحويله إلى نظام استبدادي، من خلال التشهير بالسياسيين المعارضين واعتبارهم "خونة للشعب"، والتقليل من الحقبة النازية والتقارب مع شبكات إيديولوجيات المؤامرة.
يرى مراقبون أن المطلوب هو الرد بعمل موحّد ضد "البديل"، من خلال التثقيف السياسي داخل الأحزاب الليبرالية، وخلق بنية تحتية لديموقراطية مستدامة، وتوفير مساحات آمنة للمهاجرين، وخلق وعي مجتمعي بالانتماء والأمان والمشاركة.
على الرغم من أن استطلاعاً لمعهد "إنسا" أظهر أن نسبة ناخبي "البديل" الأساسيين تبلغ نحو 18%، ومع إضافة الناخبين الحاليين من المناصرين والمحتملين يمكن للحزب الوصول إلى 30% من الأصوات، فإن استغلال "البديل" إمكاناته بالكامل لا يضمن إنهاء "جدار الحماية" من الأحزاب التقليدية، وبالتالي المشاركة الحكومية.