أحيت مدينة داريا اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري بفعالية رمزية نظمتها الهيئة الوطنية للمفقودين بالتعاون مع الإدارة المدنية في المدينة، وذلك يوم السبت الموافق 30 آب. الفعالية جاءت لإحياء ذكرى آلاف المفقودين والمغيبين قسراً في سوريا، والتأكيد على حق ذويهم في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة.
احتضنت مقبرة الشهداء في داريا هذه الفعالية، حيث رُسمت جدارية تذكارية على جدار المقبرة تجسد معاناة العائلات، وتضمنت لوحة لفتاة تبحث عن قبر والدها المفقود، في إشارة رمزية إلى أن المعتقلين ليسوا مجرد أرقام، بل لهم وجوه وقصص تنتظر الإنصاف. كما تم عرض صور "شهداء قيصر" لتسليط الضوء على الانتهاكات الواسعة التي طالت آلاف المعتقلين.
شارك في الفعالية وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح، ورئيس هيئة العدالة الانتقالية عبد الباسط عبد اللطيف، بالإضافة إلى ممثلين عن الهلال الأحمر والصليب الأحمر، وعدد من الشخصيات المحلية، وعائلات المفقودين والمغيبين الذين قدموا من مختلف المناطق السورية.
ريم.. من الانتظار إلى رفع الصوت
من بين الحاضرين كانت ريم أسامة عديلة، شابة من مدينة داريا تبلغ من العمر 24 عاماً، والتي تحمل قضيتها منذ أن كانت طفلة في الحادية عشرة من عمرها. ففي آب/أغسطس 2012، اقتحمت قوات النظام منزلها أثناء المجزرة الكبرى، واعتقلت والدها أمام عينيها مع عمها وخالها.
تستعيد ريم تلك اللحظة قائلة: "اعتقلوا والدي قدامنا، مع عمي وخالي، وبعد شهرين فقط أفرجوا عنهم في العيد، لكن والدي لم يعد معهم. منذ ذلك اليوم، ونحن نعيش على أبواب المؤسسات الأمنية والمحاكم، نبحث عن أثر له بلا جدوى. لم نفقد الأمل يوماً، لكن حياتنا تحولت إلى انتظار لا ينتهي".
تصف ريم مشاركتها في الفعالية بأنها كانت مليئة بالرمزية والأمل: "الجداريات كانت مؤثرة جداً بالنسبة إلنا، حسّينا أن في حدا يتذكر المعتقلين ويتذكر معاناتنا. مطلبنا بسيط: نريد أن نعرف مصير آبائنا وإخوتنا، وإذا استشهدوا نريد أن يكون لهم قبر يضمّهم. هذا أقل حقوقهم".
رسالة الفعالية
افتتحت الفعالية بكلمة لرئيس الهيئة الوطنية للمفقودين، أكد فيها على أن ملف المفقودين سيبقى أولوية وطنية لا يمكن إهمالها أو تأجيلها، مشيراً إلى أن إحياء هذه المناسبة يأتي لتذكير السوريين والمجتمع الدولي بحجم المأساة الإنسانية المستمرة.
بعد الكلمات، أقيمت جلسة ودية شارك فيها الأهالي، وتبادلوا خلالها قصصهم وتجاربهم مع الغياب القسري، في مساحة تهدف إلى التخفيف من الضغط النفسي وتعزيز التضامن فيما بينهم.
يحمل اختيار مدينة داريا دلالة خاصة، كونها من أكثر المدن السورية التي شهدت حملات اعتقال وإخفاء قسري خلال سنوات النزاع، حيث لا يزال مصير المئات من أبنائها مجهولاً حتى اليوم.
اختتمت الفعالية بتجديد الدعوات لمواصلة الجهود من أجل الكشف عن مصير المفقودين والمغيبين قسراً، وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات بحق الأجيال القادمة.