الإثنين, 1 سبتمبر 2025 02:22 PM

صفقة طباعة العملة السورية الجديدة: هل تزيد عزلة دمشق أم تحل الأزمة الاقتصادية؟

صفقة طباعة العملة السورية الجديدة: هل تزيد عزلة دمشق أم تحل الأزمة الاقتصادية؟

في خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بسوريا، والتدهور المستمر في قيمة الليرة السورية، تتجه الحكومة السورية نحو خيار يثير تساؤلات حول جدواه وتداعياته. فبحسب تقرير لوكالة "رويترز"، تعتزم دمشق تكليف شركة "غوزناك" الروسية بمهمة طباعة العملة السورية الجديدة. هذه الخطوة، التي تبدو ظاهريًا تقنية، تحمل في طياتها دلالات سياسية واقتصادية عميقة.

يتماشى هذا التوجه مع سياسة الانفتاح على موسكو التي تنتهجها دمشق مؤخرًا. إلا أن التدقيق في الخلفية الدولية لشركة "غوزناك" والتهم الموجهة إليها يكشف عن مخاطر جمة، إذ قد يؤدي هذا الخيار إلى تعزيز عزلة سوريا بدلًا من تخفيفها. فالشركة الروسية، المتخصصة في طباعة الأوراق النقدية والمستندات الرسمية، تخضع لعقوبات دولية مشددة. فقد أدرجتها وزارة الخزانة الأمريكية على قائمتها السوداء بتهمة تقديم الدعم لمكتب الأمن الفيدرالي الروسي، ما يجعلها في خانة المؤسسات المرتبطة بالأنشطة الأمنية والعسكرية المستهدفة بالعقوبات.

تجاوزت الاتهامات الموجهة لـ "غوزناك" هذا الحد، إذ تتهم الشركة بالتورط في طباعة عملات ليبية مزيفة تجاوزت قيمتها المليار دولار، الأمر الذي فاقم الأزمة الاقتصادية في ليبيا وأدى إلى تدهور قيمة الدينار الليبي. هذه السابقة تجعل أي دولة تتعامل مع "غوزناك" عرضة للريبة والعقوبات، لتعاونها مع شركة متورطة في تقويض استقرار اقتصادات دول أخرى. كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الشركة قبل عامين بتهمة المساهمة في تقويض سيادة أوكرانيا من خلال طباعة جوازات سفر ومستندات في المناطق التي احتلتها روسيا. تبعت هذه الخطوة إجراءات مماثلة من بريطانيا وسويسرا ونيوزيلندا، ما يجعل "غوزناك" واحدة من أكثر الشركات إثارة للجدل على الساحة المالية الدولية.

المفارقة تكمن في إقدام الحكومة السورية على هذه الخطوة في لحظة حساسة تسعى فيها جاهدة لإقناع المجتمع الدولي برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. فالمسؤولون السوريون يؤكدون باستمرار أن العقوبات الغربية تعرقل عملية إعادة الإعمار وتفاقم معاناة السوريين، وأن دمشق بحاجة إلى إعادة دمج اقتصادها في المنظومة العالمية. فكيف يمكن التوفيق بين هذا الخطاب وإسناد مهمة سيادية وحساسة مثل طباعة العملة الوطنية إلى شركة خاضعة للعقوبات الأمريكية والأوروبية والبريطانية؟

تبعث دمشق برسالة مناقضة لأهدافها المعلنة، مفادها أنها غير معنية بالتجاوب مع المطالب الدولية ومستعدة للتعاون مع أكثر الشركات إشكالية. ولا تقتصر خطورة هذا الخيار على البعد السياسي والدبلوماسي، بل تمتد إلى المخاطر الاقتصادية المباشرة. فالتعامل مع شركة خاضعة للعقوبات قد يعرقل تداول العملة الجديدة في الأسواق المالية ويجعل المصارف الأجنبية أكثر ترددًا في التعامل مع النظام المصرفي السوري. كما قد يشكك المستثمرون في مشروعية هذه العملة، ما يضعف الثقة بها داخليًا وخارجيًا. وارتباط اسم "غوزناك" بتجربة طباعة عملة ليبية مزيفة يثير مخاوف حول مستوى الشفافية والجودة في العملة السورية المنتظرة، واحتمالية تكرار الأمر أو تحوله إلى أداة ضغط روسية على الحكومة السورية.

قد تواجه دمشق صعوبات في إيجاد شركات ترغب بالتعامل معها في ظل العقوبات الدولية، ما قد يفسر لجوءها إلى "غوزناك". لكن الاعتماد على شركة مثقلة بالعقوبات يعمق المشكلة بدلًا من معالجتها. ربما كان الأجدر بالحكومة السورية أن تطلب من الدول التي تدعو لرفع العقوبات أن تقوم هي بطباعة العملة السورية الجديدة.

خلاصة القول، إن قرار التعاقد مع "غوزناك" لطباعة العملة السورية الجديدة يبدو رسالة خاطئة في توقيت غير مناسب. فبينما تحاول دمشق تقديم نفسها كدولة ترغب في الانفتاح وتسعى لرفع العقوبات والانخراط مجددًا في الاقتصاد العالمي، تأتي هذه الخطوة لتعزز الشكوك بأنها تراهن على سياسات قصيرة النظر تقوم على التحايل والمناورة بدلًا من السعي لحلول مستدامة تعيد بناء الثقة داخليًا وخارجيًا. اللجوء لطباعة العملة الوطنية عبر شركة مدرجة على قوائم العقوبات الدولية ولها سوابق في محاولات العبث باقتصادات دول ودعم السياسات الروسية، سيجعل مسار رفع العقوبات أكثر تعقيدًا، ويضع البلد مجددًا في مواجهة غير محمودة العواقب مع المجتمع الدولي.

مشاركة المقال: