الأربعاء, 3 سبتمبر 2025 01:16 AM

حلول مبتكرة لأزمة السكن في سوريا في ظل الانفتاح الاقتصادي

حلول مبتكرة لأزمة السكن في سوريا في ظل الانفتاح الاقتصادي

مع دخول سوريا مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي وعودتها إلى النظام المالي العالمي، وتخفيف العقوبات الأمريكية على حركة الأموال، تبرز أزمة السكن كأحد أهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية. تتطلب الحاجة المتزايدة للمساكن، خاصة بين الشباب، حلولاً عملية تعتمد على التمويل المحلي والخارجي، واستثمار حقيقي في قطاع البناء والعقارات.

انفتاح السوق وتدفق مواد البناء

مع تحرير الاستيراد وعودة المعارض المتخصصة بإعادة الإعمار، أصبح استيراد مواد البناء الأساسية كالحديد والإسمنت والخشب والألمنيوم بأسعار تنافسية ممكناً. يحد هذا الانفتاح من الاختناقات السابقة التي كانت تعيق المشاريع الإنشائية، ويفتح المجال لتنفيذ مشاريع سكنية واسعة النطاق بسرعة وبتكلفة أقل. تجربة تركيا بعد زلزالي 1999 و 2023 مثال على كيفية مساهمة تحرير استيراد مواد البناء وتسهيل التمويل في إعادة بناء آلاف الوحدات السكنية في أقل من خمس سنوات.

دور الشركات الإنشائية والاستثمار العقاري

على الرغم من أن البنية التحتية للشركات المحلية قد تضررت خلال سنوات الحرب، إلا أن وجود كوادر هندسية وبنى تنظيمية أساسية يشكل قاعدة يمكن البناء عليها. دخول شركات عربية وأجنبية، بالشراكة مع نظيراتها السورية، سيتيح نقل الخبرات التقنية وتمويل المشاريع الكبرى. على سبيل المثال، يمكن للشركات الإماراتية أو المصرية التي لديها خبرة في بناء المدن الجديدة (مثل العاصمة الإدارية الجديدة في مصر) أن تساهم في إقامة ضواحٍ سكنية متكاملة الخدمات في ريف دمشق أو محيط حلب وحمص.

معالجة السكن العشوائي.. الفرصة الذهبية

يمثل ملف السكن العشوائي في دمشق وبعض المدن الكبرى تحدياً كبيراً أمام الدولة السورية، ولكن يمكن تحويله إلى فرصة استثمارية من خلال إعادة تنظيم هذه المناطق وإشراك القطاع الخاص في تمويل البنية التحتية وتشييد أبراج سكنية حديثة. يمكن الاستفادة من نموذج “المشاركة الاستثمارية” الذي طُبّق في بيروت بعد الحرب الأهلية، حيث تم تأسيس شركة “سوليدير” لإعادة إعمار وسط بيروت، مع تعديلات تراعي الخصوصية السورية.

الادخار السكني.. شراكة المواطن مع المصارف

بالإضافة إلى الاستثمارات الكبرى في الضواحي السكنية، يمكن إطلاق برنامج وطني للادخار السكني يتيح للمواطنين فرصة امتلاك منزل بطريقة ميسّرة. يقوم المواطن بإيداع مبالغ شهرية محددة في حساب ادخاري لدى أحد البنوك الوطنية لفترة زمنية تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات. وبعد انتهاء فترة الادخار الأولية، يُمنح المواطن حق استلام شقته ضمن أحد المشاريع السكنية المتعاقد عليها. ويستمر المواطن بعد استلام الشقة بدفع أقساط شهرية مضاعفة عمّا كان يدفعه في فترة الادخار، بحيث تغطي هذه الأقساط تكلفة التمويل والإنشاء خلال فترة زمنية معقولة (قد تصل إلى 10 أو 15 سنة). هذا النظام، المعروف عالمياً باسم “الادخار السكني”، أثبت نجاحه في عدة دول مثل ألمانيا والنمسا عبر بنوك الادخار العقاري (Bausparkassen)، حيث استطاع ملايين المواطنين الحصول على منازلهم الأولى من دون الحاجة إلى قروض مرهقة أو فوائد مرتفعة.

اعتماد هذا النموذج في سوريا سيحقق عدة فوائد:

  • توفير تمويل مستدام للمشاريع السكنية بعيداً عن ضغط الموازنات الحكومية.
  • إشراك المواطن بشكل مباشر في عملية إعادة الإعمار.
  • تعزيز ثقة المغتربين بالبنوك الوطنية إذا تم فتح برامج ادخار مشابهة لهم بالقطع الأجنبي.

التمويل.. المفتاح الأساسي

إزالة القيود عن حركة الأموال وعودة سوريا إلى نظام “سويفت” العالمي يسمح بتدفق رؤوس الأموال من السوريين المغتربين، والذين يُقدَّر عددهم بالملايين. هؤلاء لديهم رغبة بالاستثمار في بلدهم، وخاصة في العقار الذي يعتبر استثماراً آمناً طويل الأمد. يمكن للدولة أن تطرح سندات عقارية أو صناديق استثمار عقاري (REITs) موجهة للمغتربين والمستثمرين العرب، بحيث تساهم هذه الأدوات في تمويل بناء الضواحي السكنية، على غرار التجربة الماليزية في تمويل مشاريع الإسكان الشعبي عبر صناديق استثمارية مدعومة من الحكومة.

التنمية الريفية عبر الضواحي السكنية

بناء ضواحٍ سكنية جديدة في أرياف المدن الكبرى لا يحقق فقط هدف تأمين السكن للشباب، بل يخلق أيضاً تنمية اقتصادية متكاملة في الريف. إنشاء الضواحي يتطلب بنية تحتية من طرق ومدارس ومستشفيات وأسواق، ما يوفر آلاف فرص العمل. توطين المشاريع السكنية خارج المدن يخفف الضغط عن دمشق وحلب، ويخلق مراكز عمرانية جديدة على غرار ما فعلته الأردن في مدينة “الزرقاء الجديدة”.

الخلاصة

حل أزمة السكن في سوريا لم يعد مجرد قضية اجتماعية، بل أصبح مفتاحاً لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة، ومع الانفتاح الاقتصادي، وعودة حركة التمويل، والرغبة الكبيرة من المستثمرين المحليين والعرب والأجانب، فإن الفرصة متاحة اليوم لإطلاق مشاريع إسكان استراتيجية قادرة على تحويل ملف السكن من أزمة إلى رافعة للتنمية. الشرط الأساسي لذلك هو الإسراع في توفير البيئة القانونية والاستثمارية، وتقديم مزايا حقيقية للشركات الإنشائية، وإطلاق برامج ادخار سكني وطنية، وضمان الشفافية في إدارة المشاريع. عندها فقط يمكن أن نرى في أفق السنوات القليلة المقبلة ضواحي سكنية حديثة تلبي طموحات الشباب وتعيد رسم الخريطة العمرانية لسوريا.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات_الحرية

مشاركة المقال: