في خضم التحولات الاقتصادية التي تشهدها سوريا بعد سنوات الحرب، تبرز السياسات الاقتصادية الجديدة كأداة لتحقيق الاستقرار وإعادة التوازن. ومن بين هذه الأدوات، يظهر "صندوق التنمية" المحدث بموجب المرسوم الرئاسي رقم (112) لعام 2025 كأحد أبرز المبادرات التي تسعى إلى تعزيز دور الدولة في دعم النمو وتحفيز الاستثمار.
الدكتور عبدالرحمن محمد، نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماه، صرح للوطن قائلاً: "إن إنشاء 'صندوق التنمية' يأتي كخطوة استراتيجية في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه سوريا، بهدف دعم جهود إعادة الإعمار وتحسين الخدمات في البلاد."
يتميز الصندوق باستقلاله المالي والإداري وطابعه الاقتصادي، مع التركيز على تمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية من خلال آليات تمويل مبتكرة مثل القرض الحسن. وأضاف الدكتور محمد أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على قدرتها على تجاوز التحديات الاقتصادية والهيكلية الراهنة، بما في ذلك التضخم وانهيار العملة والعقوبات الدولية.
وفيما يتعلق بتوقيت إنشاء الصندوق، يرى أستاذ الاقتصاد أن إطلاقه في هذا الوقت يعتبر خطوة استباقية لبناء إطار مؤسسي لإعادة الإعمار، مما يتيح للدولة الاستعداد لاستغلال أي فرص مستقبلية لتحسين الوضع الاقتصادي أو رفع العقوبات.
أما من جهة التحديات، فيرى محمد أن البيئة الاقتصادية الحالية، التي تتسم بتضخم مرتفع وانهيار العملة، قد تعوق تحقيق أهداف الصندوق على المدى القريب. كما أن العقوبات الدولية قد تحد من قدرة الصندوق على جذب التمويل الخارجي أو التعاون مع مؤسسات دولية.
وفيما يخص قدرة الاقتصاد السوري على توفير التبرعات، أشار إلى أن التحديات الداخلية تبقى حاضرة، حيث إنه مع تدهور القوة الشرائية لغالبية المواطنين، من غير المرجح أن تكون التبرعات المحلية كافية لدعم مشاريع إعادة الإعمار الكبيرة. لكن هناك فرصاً خارجية يمكن البناء عليها، إذ يمكن أن يكون السوريون في الخارج مصدراً محتملاً للتبرعات، خاصة إذا تم تقديم ضمانات قوية بشأن الشفافية واستخدام الأموال، ومع ذلك، فإن العقوبات قد تعوق تدفق هذه التبرعات.
وعن الأولوية الاقتصادية، يعتبر محمد أن إصلاح شبكات المياه والكهرباء أولوية قصوى، حيث إن تحسين هذه الخدمات يمكن أن يشجع على عودة النشاط الاقتصادي ويخلق بيئة أكثر استقراراً للمواطنين. وعلى المدى المتوسط، يمكن أن تكون المشاريع الإنتاجية أداة فاعلة لتوليد الدخل وخلق فرص العمل، ولكنها تعتمد على وجود بنية تحتية أساسية قوية.
وحول آلية القرض الحسن وتأثيراتها، أوضح أنها تختلف عن القروض التقليدية لكونها لا تتضمن فوائد، مما يجعلها أقل تكلفة للمستفيدين. ومع ذلك، قد يؤدي ذلك إلى تخصيص غير كفء لرأس المال إذا لم يتم اختيار المشاريع بناءً على جدواها الاقتصادية. كما قد يؤدي الاعتماد الكبير على القروض الحسنة إلى تشوهات سوقية، مثل تقليل الحوافز للاستثمار الخاص أو خلق منافسة غير عادلة مع القطاع الخاص.
وفيما يتعلق بالدروس المستفادة من تجارب دول أخرى مثل صندوق إعادة إعمار لبنان، يرى أستاذ الاقتصاد أنه يمكن للصندوق السوري أن يستفيد من أهمية الشفافية، والتخطيط طويل الأمد، والشراكة مع القطاع الخاص. في المقابل، يجب تجنب المركزية المفرطة، والبيروقراطية، وضعف الرقابة، وهي تحديات واجهتها صناديق مماثلة في دول أخرى.
أما في التعامل مع العقوبات الدولية، فالعقوبات قد تعوق جذب التبرعات والاستثمارات من الخارج، خاصة من السوريين المغتربين أو الحلفاء التقليديين. أما الحلول فتتمثل في إمكانية تركيز الصندوق على مصادر تمويل داخلية أو التعاون مع دول ومؤسسات غير خاضعة للعقوبات، مع الالتزام بالشفافية لتجنب المخاطر القانونية.
وبخصوص السيناريوهات المستقبلية للصندوق، نوه محمد بأن السيناريو الإيجابي يتمثل في أنه إذا تم تنفيذ المرسوم بفاعلية، مع ضمان الشفافية والكفاءة، يمكن أن يصبح الصندوق أداة محورية في إعادة الإعمار. أما السيناريو السلبي، ففي حال غياب الإصلاحات الهيكلية والرقابة الفاعلة، قد يتحول الصندوق إلى هيكل إداري إضافي يكرس المركزية ويفتقد للفاعلية.
أما بالنسبة لضمانات الشفافية، فالتحديات تبقى قائمة، حيث إن البيئة الاقتصادية السورية معروفة بتحديات الفساد، مما قد يضعف ثقة المتبرعين والمستفيدين. والحلول تتطلب إنشاء آليات رقابة مستقلة، مثل لجان إشراف تضم ممثلين عن المجتمع المدني، إلى جانب شركات التدقيق المحاسبية. كما يمكن نشر تقارير دورية عن أداء الصندوق واستخدام الأموال.
وكوجهة نظر أكاديمية اقتصادية، رأى محمد أن إنشاء "صندوق التنمية" يمثل خطوة طموحة نحو إعادة الإعمار وتحسين الواقع الخدمي في سوريا، ولكن نجاحه يعتمد على التغلب على التحديات الاقتصادية والهيكلية الراهنة، وضمان الشفافية، وتوفير بيئة مواتية لجذب التمويل والاستثمار.
الوطن _محمد راكان مصطفى