الخميس, 4 سبتمبر 2025 04:49 PM

فرنسا على مفترق طرق: هل يفتح سقوط ماكرون الباب أمام حقبة جديدة؟

فرنسا على مفترق طرق: هل يفتح سقوط ماكرون الباب أمام حقبة جديدة؟

دمشق – م. ميشال كلاغاصي

مع اقتراب يوم الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري، والترقب للتصويت البرلماني الفرنسي على الثقة بالحكومة، بناءً على دعوة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو لإجراء انتخابات مبكرة، تتصاعد التكهنات حول مستقبل الرئيس إيمانويل ماكرون. يعول بايرو على هذه الانتخابات كفرصة أخيرة لاحتواء الاحتجاجات الشعبية المتوقعة على القرارات الحكومية وإجراءات التقشف وتخفيضات الإنفاق الاجتماعي، لكن التوقعات تشير إلى فشل مساعيه وتصاعد الاحتجاجات، مما قد يمثل بداية النهاية لمسيرة ماكرون في الإليزيه.

يبدو واضحاً أن فرانسوا بايرو سيواجه صعوبة بالغة في استعادة سيطرة الحكومة ومنع الفوضى وإبعاد شبح سقوطها، في ظل الحراك الشعبي والحزبي المتوقع الأسبوع المقبل. حالة الاحتقان والغضب الشعبي تتزايد، وتترافق مع دعوات للإضراب العام، مدعومة من أطراف عدة، وعلى رأسها اليسار المتطرف. التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، وحزب فرنسا الأبية بزعامة جان لوك ميلينشون، وبعض الاشتراكيين، أعلنوا عدم دعمهم للحكومة، مما يشكل ضربة مباشرة لبايرو وغير مباشرة لماكرون. بالتوازي مع ذلك، هدد ميلونشون بتقديم اقتراح لإقالة ماكرون في 23 سبتمبر/أيلول، ومنح فرنسا فرصة للنهوض مجدداً في حال فشل محاولة بايرو.

الفرنسيون، الذين نفد صبرهم، يراقبون نتائج القرارات الحكومية وسياسة الضياع واللامبالاة والعنجهية التي يتبعها الرئيس ماكرون، والتي أدخلت فرنسا والفرنسيين في أزمات عميقة. الدين العام تجاوز 110% من إجمالي الناتج المحلي، وبلغ عجز الموازنة لعام 2025 حوالي 47 مليار يورو، مما أثر بشدة على حياة الفقراء وأصحاب الدخل المتوسط والعمال وساكني الضواحي والمتقاعدين. إلغاء كافة قرارات التقشف والتخفيضات أصبح هدفاً لا يمكن التراجع عنه.

يسعى بايرو وماكرون من خلال هذه الخطوة إلى استباق الأحداث قبل أن تنزلق البلاد إلى الفوضى، لكن قراءة الواقع السياسي والشعبي وآراء الأحزاب والنخب داخل فرنسا تشير إلى أخطاء جسيمة في حسابات وتقديرات الرجلين، والتي قد تكون باهظة الثمن بالنسبة لبايرو وكارثية بالنسبة لماكرون، وقد تضعه في مواجهة العزل أو استمرار الاحتجاجات والإضرابات وتداعياتها الخطيرة على الأسواق الداخلية وتكاليف الإنتاج والبطالة والأمن الداخلي، حتى انتهاء ولايته.

ماكرون ومن دعم ترشيحه وصوت له، يتحملون المسؤولية عن النتائج الكارثية التي وصلت إليها فرنسا، والتي لن يتمكن من سيخلفه من إنقاذها بسهولة، في ظل التوتر والانقسام والحاجة الماسة إلى الهدوء والحكمة والصبر، لإتاحة الفرصة لإجراء الإصلاحات الحيوية اللازمة لمعالجة عجز الميزانية وحماية فرنسا من تداعيات أزمة الديون الخارجية، نتيجة تورط ماكرون بتنفيذ أجندات ترامب في أوكرانيا وإرسال مليارات الدولارات لدعم حكومة كييف الراديكالية في حربها الخاسرة.

لا يمكن تصور حجم الضرر الذي ألحقه ماكرون بهيبة ومكانة فرنسا وتدمير نفوذها في أوروبا ومصالحها في أفريقيا والشرق الأوسط وتدهور الاقتصاد الفرنسي، من أجل محاباة السياسة الخارجية للولايات المتحدة واستعادة ود ترامب مجدداً، والسعي للفوز بزعامة أوروبية تبدو فكرة هزيلة في قارة تحتضر في عصر ماكرون وحلفائه في أوروبا والاتحاد الأوروبي.

في الوقت الذي لا يزال فيه ماكرون يسعى لعرقلة الحلول في أوكرانيا وتجييش الأوروبيين لمواجهة روسيا، ويتحدى اللوبيات الفاعلة والدولة العميقة في الولايات المتحدة وتل أبيب بإعلان عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كموقف مبدئي، لكنه يأتي في سياق الاستفزاز والابتزاز وليس من باب قناعاته والتزامه بالموقف الأخلاقي والإنساني والقانوني لدعم القضية الفلسطينية. يجب ألا ننسى أنه كان من أوائل الداعمين لما سمي زوراً "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" منذ اللحظات الأولى التي تلت عملية طوفان الأقصى، مما يثير التساؤل عن سبب عدم تحركه لتجييش بلاده وأصدقائه "صقور أوروبا" لشن حملة سياسية تجارية عسكرية على "إسرائيل" لإجبارها على وقف الإبادة الجماعية وكسر الحصار والتجويع والتهجير القسري والقتل اليومي الممنهج، واكتفائه بإطلاق التصريحات وتسجيل النقاط الإعلامية.

كذلك، باستمرار لهثه وراء ما يسمى بـ "مجموعة الراغبين" واحتضان باريس وقيادة لقاءاتها واجتماعاتها ونسخها العقيمة، بهدف استمرار الضغط على روسيا، وتأجيج مواقف الترويكا الأوروبية ضد إيران وحقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية، أمور تؤكد عدم استيعابه أهمية قمة ألاسكا وانعكاس تفاهماتها على كافة الصراعات والملفات الشائكة حول العالم، بالإضافة إلى التغيرات العالمية القادمة عبر رياح منظمة شنغهاي وانطلاقة أهم نسخها على الإطلاق اليوم من الصين.

يبدو أن سقوط ماكرون المحتمل سيكون بمثابة صفعة له ولصقور أوروبا، وسيشكل دعامة إضافية للسلام والاستقرار الدوليين، وإتاحة الفرصة لإحلال السلام في أوكرانيا وغيرها، بما يصب في خانة حماية الأسواق العالمية وتهدئة اضطراباتها. لن يكون رحيله مأسوفاً عليه داخل فرنسا وخارجها، على الرغم من صعوبة البحث حالياً عن رئيس فرنسي جديد وسط الفوضى التي تسبب بها الرئيس ماكرون.

م. ميشال كلاغاصي – 4/9/2025

مشاركة المقال: