سوريا تعيد تعريف علاقاتها مع روسيا والصين: شراكة اقتصادية مشروطة بالسيادة والتخلص من التبعية


تعتمد السياسة الخارجية السورية، وفقاً لأسماء الفريح، على إقامة علاقات جيدة ومتوازنة مع جميع دول العالم، شريطة ألا تنتقص هذه العلاقات من سيادة البلاد أو تؤثر على مصالحها الوطنية. وفي هذا الإطار، أكد السيد الرئيس أحمد الشرع خلال زيارته إلى روسيا منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أن سوريا تسعى إلى إعادة بناء علاقاتها السياسية والاستراتيجية مع الدول الإقليمية والعالمية، بما في ذلك روسيا، في مرحلة جديدة.
شدد الشرع في لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة التخلص من التبعية التي وسمت علاقات موسكو بالنظام المخلوع، مؤكداً على استقلالية القرار والسيادة الوطنية. وصرح قائلاً: "نحن نحترم كل ما مضى من اتفاقيات، ونحاول أن نعيد ونعرف بشكل جديد طبيعة هذه العلاقات على أن يكون هناك استقلال للحالة السورية والسيادة الوطنية".
تزامن إعادة توجيه بوصلة العلاقات مع روسيا مع خطوة مماثلة تجاه الصين. وقد أكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني أن العلاقات مع الدول الصديقة، مثل روسيا والصين، تتجه نحو إعادة بناء متوازن قائم على الندية والاحترام المتبادل، بما يخدم مصالح الشعب السوري.
لم تعد روسيا تمثل لسوريا الجديدة الراعي الرئيسي كما كانت في عهد النظام المخلوع. فبعد أن كانت العلاقات قائمة على التبعية العسكرية، خاصة بعد تدخلها الذي ساهم في ارتكاب مجازر منذ اندلاع الثورة السورية (سواء لوجستياً "لتحسين منظومته العسكرية"، أو عبر استخدام حق النقض، أو التدخل العسكري المباشر نهاية عام 2015)، تبنت الحكومة السورية الجديدة نهجاً مغايراً.
أشار تقرير لصحيفة "بروفيل" الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إلى أن قمة الشرع وبوتين نقلت العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدة من الشراكة البراغماتية الخالية من الأوهام. وأوضحت الصحيفة أن سوريا لم تعد منطقة مسؤولية لموسكو، بل أصبحت ساحة لحضور عسكري وسياسي، وتحولت قاعدة حميميم وميناء طرطوس إلى أدوات للمشاركة في الشؤون الإقليمية بدلاً من كونهما رموزاً للرعاية المباشرة.
من جانبه، يرى محمد السكري، الباحث في المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة، في حديث لصحيفة "الثورة السورية"، أن الحضور الروسي اختلف تماماً، حيث لم تعد موسكو فاعلة بالمعنى العسكري الذي يدير وينتج النظام السياسي في سوريا. وأضاف السكري أن روسيا تحولت إلى ضامن لبعض القطاعات العسكرية المرتبطة بمصالحها وتفاعلات الإقليم، وأصبحت ذات أبعاد اقتصادية أكثر من كونها أمنية. وأكد أن المعادلة الروسية الأمنية في سوريا تفككت بالكامل، وتحولت من معادلة قائمة على الأمن والاقتصاد إلى معادلة قائمة على الاقتصاد بشكل أساسي. كما أشار إلى أن تسليح الجيش السوري بات قائماً على الاستثمار العسكري وليس على العقيدة العسكرية، وأن سوريا خارج هذه الاصطفافات منذ سقوط نظام المخلوع بشار الأسد.
وقد شددت الإدارة السورية الجديدة، منذ استقبالها وفداً روسياً برئاسة ميخائيل بوغدانوف في كانون الثاني الماضي، على التزامها بالتعامل مع جميع أصحاب المصلحة لبناء مستقبل متجذر في العدالة والكرامة والسيادة، مؤكدة أن استعادة العلاقات يجب أن تعالج أخطاء الماضي وتحترم إرادة الشعب السوري وتخدم مصالحه.
اتخذت سوريا قراراً بتصحيح العلاقة مع الصين بما لا يكون على حساب مصالح الشعب السوري، وهو ما تم التركيز عليه خلال لقاءات المسؤولين السوريين مع السفير الصيني لدى دمشق ومندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة. وفي تشرين الثاني الماضي، قام الوزير الشيباني بأول زيارة رسمية إلى بكين، واصفاً إياها بأنها "خطوة مهمة في دفع مسار الشراكة"، وأن المباحثات فتحت آفاقاً واسعة لدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا، ضمن إطار تعاون سوري-صيني جديد قوامه الاحترام المتبادل والعمل المشترك.
ولدعم هذا التوجه، أصدر وزير الاقتصاد والصناعة نضال الشعار قراراً بتشكيل مجلس الأعمال السوري الصيني، بهدف توفير إطار مؤسسي منظم وفعال، وتحفيز التبادل التجاري، وجذب الاستثمارات الصينية المباشرة في القطاعات ذات الأولوية مثل إعادة الإعمار والطاقة والبنى التحتية والتكنولوجيا.
وفي هذا السياق، أوضح الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل لصحيفة "الثورة السورية" أن دمشق ترحب بالتمويل الصيني لكنها تبقي "قرار السيادة" خارج نطاق الاستثمار، حيث تُعتبر الصين شريكاً اقتصادياً ضمن القواعد السورية، وليس طرفاً يحدد الأولويات الأمنية أو السياسية. وتُترجم هذه المعادلة إلى عقود مشروطة تضمن ملكية الدولة للأصول الحساسة، وتراخيص مرحلية، ونسب تشغيل محلية ونقل معرفة، وبنود تمنع تحويل التمويل إلى نفوذ سياسي. ويؤكد المغربل أن الفصل بين المال والأمن أساسي، حيث تُحصر مساهمة بكين في التجارة والإعمار، بينما تُدار الملفات الأمنية بترتيبات أخرى لا تمنح المستثمر دوراً أمنياً مباشراً.
أما بخصوص التوازنات، فيرى محمد السكري أن حجم الوزن الاقتصادي الصيني في سوريا ضعيف للغاية، ولا يمكن الحديث عن استثمارات صينية بالحجم الذي يثير تساؤلات حول إدارة التوازنات الاقتصادية الروسية الصينية. وأشار إلى أن قيمة الاستثمارات الصينية منخفضة وفي أدنى مستوياتها، ولا تشكل ثقلاً اقتصادياً يؤهلها للصراع مع الجانب الروسي، الذي بدوره لا يمتلك استثمارات بالمعنى الحرفي في سوريا، بل يستثمر في القطاع العسكري والأمني فقط.
تؤكد سوريا الجديدة قدرتها على تحقيق التوازن واستعادة موقعها عبر صياغة علاقاتها الخارجية بلغة المصالح العليا لسيادتها وشعبها، وتفادي الوقوع في فخ التبعية أو الانحياز للمحاور المتصارعة.
ملاحظة: تم إحباط محاولة تهريب شحنة أسلحة في الزبداني كانت معدة لدخول لبنان.
سياسة دولي
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا