الجمعة, 5 سبتمبر 2025 09:38 PM

الحرف التراثية الدمشقية: صمود في وجه التحديات وإرث وطني يتحدى الزمن

الحرف التراثية الدمشقية: صمود في وجه التحديات وإرث وطني يتحدى الزمن

دمشق-سانا: ما زالت أصداء المطارق تتردد في ورش الحرف الدمشقية التقليدية، داخل أزقة المدينة القديمة، لتشهد على صمود هذا الموروث الحرفي العريق في مواجهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة على مر السنين، مؤكدةً بذلك حضوره الدائم كأحد الركائز الأساسية للهوية الوطنية السورية.

تاريخٌ مكبّل بسلاسل النظام البائد

في حديث لمراسلة سانا، أوضح رئيس الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية فؤاد عربش أن الحرف التراثية، مثلها مثل بقية القطاعات الوطنية، عانت من تحديات جمة خلال فترة النظام البائد. وأشار إلى غياب الدعم الحقيقي للحرفيين، حيث كانت الجمعية تعمل وفق نظام تقنين اقتصادي يطال كافة متطلبات العمل الأساسية، وذلك في ظل ضعف الدعم المؤسسي، وعدم وجود تسهيلات لتأمين المواد الأولية، بالإضافة إلى استمرار انقطاعات التيار الكهربائي. وأضاف أن الورش كانت تُدار بنظام تقنين يعيق استمرارية العمل ويؤثر على جودة الإنتاج.

وأردف عربش أن العديد من ورش الحرف التقليدية، مثل الصدفيات والموزاييك والبروكار وغيرها، تقع ضمن المناطق والأحياء الشعبية التي عانت من مأساة البراميل المتفجرة، مما أدى إلى تضرر عدد كبير من المحلات وفقدان كوادر مهنية خبيرة. ولفت إلى أن التكية السليمانية، أحد أبرز المعالم التراثية المرتبطة بالحرف الدمشقية، تعرضت أيضاً لأعمال تخريب من قبل النظام البائد، مما أثر على مكانتها كمركز مهني وحضاري.

موروث شعبي مثقل بضغط السوق وصراع البقاء

وأشار عربش إلى أن التحديات لا تقتصر على الأضرار المادية، بل تتعداها إلى الضغوط التسويقية التي فرضتها بعض الجهات التي سيطرت على سوق الحرف، مما انعكس سلباً على الحرفيين. تجلّى ذلك في هيمنة طبقة من التجار المقربين من النظام البائد على تسويق المنتجات، وتحقيقهم أرباحاً طائلة مقابل حصول أصحاب اليد العاملة الحقيقيين على مبالغ ضئيلة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الإقبال على تعلم هذه المهن بين الأجيال الجديدة.

كما لفت عربش إلى أن المشاركة في بعض الفعاليات والمعارض خلال السنوات الماضية كانت مفروضة عليهم بهدف تلميع صورة النظام البائد، وكانت تُستخدم لأغراض ترويجية دون تحقيق مكاسب حقيقية لأصحاب الحرف.

الإنجاز رغم الصعوبات

وعلى الرغم من كل ذلك، حقق الحرفيون السوريون إنجازات ملحوظة في المحافل الدولية، حيث حظيت الحرف الدمشقية بتقدير واسع. ومن بين هذه الإنجازات، الجائزة الأولى التي حصل عليها عربش عن حرفة الموزاييك في معرض "سراج كونت" الدولي بمدينة فريد آباد الهندية عام 2015، وسط منافسة مع ممثلين من 33 دولة. وأكد أن عدداً من الورش السورية لا تزال تتلقى طلبات خارجية، مما يعكس استمرارية وتميز وحضور الحرف السورية في الأسواق العالمية.

تنظيم عمل الجمعية بعد التحرير

وفيما يتعلق بدور الجمعية الحرفية، أوضح عربش أن الإدارة الجديدة تعمل على تنظيم العمل وإعادة الهيكلة، بهدف وضع آليات أكثر فاعلية لدعم الحرفيين. ودعا إلى تحديث التشريعات الناظمة، وعلى رأسها المرسوم رقم 250 الصادر عام 1969، بما يتماشى مع تطورات المرحلة واحتياجات القطاع الحرفي. وأكد أن الظروف الصعبة التي مرت بها الجمعية بدمشق طالت أيضاً جمعيات المحافظات الأخرى.

دعم التراث مسؤولية الجميع

وأكد عربش أن الحفاظ على التراث الحرفي هو مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر جهود جميع المؤسسات، بدءاً من وزارة الثقافة المعنية بالتوثيق، ووزارة التربية والتعليم التي يمكنها إدماج المهارات الحرفية ضمن المناهج التعليمية، وصولاً إلى وزارة السياحة التي يقع على عاتقها إبراز هذا التراث في المحافل السياحية والثقافية. وأعرب عن استعداد المدربين المتخصصين لتدريب الأجيال وتمكينهم من خلال دورات مجانية ميسرة لجميع الراغبين.

ودعا عربش المجتمع المحلي إلى تعزيز الوعي بأهمية حماية التراث السوري المادي واللامادي، واستثماره في المنصات الرقمية للترويج له وتعليمه ونقله للأجيال القادمة.

مشاركة المقال: