عنب بلدي – كريستينا الشماس – مع اقتراب كل عام دراسي جديد، تجد الأسر السورية نفسها أمام خيار صعب: المدارس الحكومية المجانية ولكن المكتظة، أو المدارس الخاصة ذات الأقساط الباهظة. ورغم أن الوضع الاقتصادي يمنع الكثيرين من التفكير في المدارس الخاصة، إلا أن بعض العائلات في دمشق ترى فيها الخيار الأمثل لضمان مستقبل أبنائها، حتى لو استنزف ذلك دخلها الشهري.
التحديات المالية المتزايدة
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في أقساط المدارس الخاصة، حيث تتراوح بين ثلاثة ملايين وعشرة ملايين ليرة سورية سنويًا لمرحلة رياض الأطفال والتعليم الابتدائي، وتصل إلى ما بين خمسة ملايين و30 مليون ليرة للمرحلتين الإعدادية والثانوية، وذلك حسب المنطقة والخدمات الإضافية التي تقدمها المدرسة. ورغم اعتراف الأهالي بجودة المدارس الخاصة، إلا أن التحدي المالي يبقى الأكبر، خاصة وأن معظم العائلات تعيش على رواتب لا تتجاوز المليون ليرة شهريًا، بينما قد تصل الأقساط المدرسية إلى أكثر من ستة ملايين ليرة.
وائل منصور، موظف في بنك خاص بدمشق، يفكر في إعادة ولديه إلى المدارس الحكومية بسبب غلاء الأقساط، لكنه يتراجع خوفًا على مستقبلهما. تصل تكلفة تعليم ولدَي وائل في المرحلة الابتدائية إلى حوالي 12 مليون ليرة سورية، بينما لا يتجاوز راتبه ثلاثة ملايين ليرة، مما يضطره للاعتماد على مساعدات الأقارب في الخارج. وبرر وائل تفضيله للمدارس الخاصة بأنها توفر عليه تكلفة الدروس الخصوصية.
الكادر التعليمي المتخصص
يرى الأهالي أن الكادر التعليمي المتخصص هو أبرز ما يميز المدارس الخاصة، حيث تعتمد على معلمين جامعيين أو ذوي خبرة، بينما تضطر المدارس الحكومية إلى تكليف طلاب جامعات أو خريجين غير متخصصين بسبب نقص الكوادر، مما يؤثر على مستوى الطلاب. محمد تكريتي، والد طالب في المرحلة الابتدائية بدمشق، أكد أن ابنه لم يتمكن من تعلم القراءة والكتابة بشكل جيد في المدرسة الحكومية، بينما تحسن مستواه بشكل ملحوظ بعد نقله إلى مدرسة خاصة بفضل الكادر المتخصص والمتابعة الفردية.
رنا الخوري، معلمة لغة عربية، أوضحت أنها اضطرت للانتقال إلى مدرسة خاصة بسبب الراتب الأفضل وظروف العمل المريحة، مشيرة إلى أن المدارس الخاصة تجذب أفضل المعلمين، مما يخلق فجوة في مستوى التعليم بين القطاعين.
تعلم اللغات الأجنبية كسبب رئيسي
يعتبر إتقان اللغات الأجنبية من أهم الأسباب التي تدفع الأهالي إلى اختيار المدارس الخاصة، حيث تتوفر مناهج متطورة وحصص إضافية للغتين الإنجليزية والفرنسية. سامر معراوي، والد طالبة في الصف الثالث الابتدائي، أشار إلى أن مستوى ابنته في اللغة الإنجليزية يفوق ما يتعلمه طلاب الصف السادس في المدارس الحكومية، معتبرًا أن اللغة الإنجليزية هي مفتاح المستقبل.
مها محمد، موظفة في القطاع الحكومي، اشتكت من قلة الاهتمام بالمواد الأجنبية في المدارس الحكومية، خاصة اللغة الفرنسية. وأوضحت المعلمة رنا الخوري أن المشكلة تكمن في المناهج التقليدية وقلة الحصص وضعف تأهيل الكادر التعليمي.
المدارس الخاصة كضمان للمستقبل
لمى الحلبي، ربة منزل من ريف دمشق، تدفع مبلغًا كبيرًا لتعليم ابنتيها في مدرسة خاصة رغم ضيق ذات اليد، معتبرة أن هذا الاستثمار هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل أفضل لهما، وأن التعليم الحكومي لم يعد يقدم أي ضمانات.
الاهتمام بالصحة المدرسية
تشجع الرعاية الفردية والخدمات النفسية والصحية التي توفرها المدارس الخاصة الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها. لمى أوضحت أن ابنتها تلقت متابعة فردية من معلمة مختصة واختصاصية نطق في المدرسة الخاصة، بينما لا يوجد أي اهتمام بهذا الجانب في المدارس الحكومية. وأشارت رنا الخوري إلى أن قلة عدد الطلاب في صفوف المدارس الخاصة يسمح بمتابعة كل طفل على حدة.
فجوة تعليمية كبيرة
تعكس شهادات الأهالي الفجوة التعليمية بين المدارس الحكومية والخاصة. وقد تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي إعلان وزارة التربية السورية عن تحديد سقوف للأقساط في المدارس الخاصة، لكن عنب بلدي لم تتمكن من التأكد من صحة ذلك. وحاولت عنب بلدي التواصل مع وزارة التربية للحصول على معلومات حول هذا الموضوع وخططها لتحسين التعليم في المدارس الحكومية، لكنها لم تتلق ردًا.