دير الزور – عبادة الشيخ: أبلغت هيئة التربية والتعليم في "الإدارة الذاتية"، الذراع الحوكمية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، المدارس الخاصة والعامة بقرار يقضي بعدم السماح بتدريس منهاج الحكومة السورية في أي مؤسسة تعليمية ضمن مناطق سيطرتها في شمال شرقي سوريا. وأصدرت الهيئة قرارًا بتوحيد المناهج الدراسية وفقًا للمنهاج الذي وضعته سابقًا.
تعتبر قضية التعليم في شمال شرقي سوريا تحديًا كبيرًا يواجه الأهالي، حيث يجدون صعوبة في تأمين تعليم مستقر لأبنائهم. وتتفاقم الأزمة نتيجة التضارب بين المناهج التعليمية المختلفة، مما يؤدي إلى نتائج سلبية على المجتمع، أبرزها ارتفاع معدلات الجهل والانحراف.
وكانت "الإدارة الذاتية" قد فرضت منذ عام 2020 منهاجًا تعليميًا في المناطق الخاضعة لسيطرتها في دير الزور والحسكة والرقة وحلب، إلا أن هذا المنهاج قوبل بالرفض من قبل بعض السكان، وشهدت المنطقة احتجاجات على العملية التعليمية لسنوات.
رفض لمنهاج "الإدارة الذاتية"
أعرب أهالٍ من ريف دير الزور، التقوا مع عنب بلدي، عن رفضهم للمنهاج التعليمي الذي فرضته "الإدارة الذاتية"، مؤكدين أنه لا يتناسب مع طبيعة مجتمعهم وقيمهم الأخلاقية والثقافية. وطالبوا بتسليم إدارة المنطقة لأبنائها للحفاظ على السلم المجتمعي.
وانتقد بعض السكان "الإدارة الذاتية" لتركيزها على تغيير المناهج بدلًا من تحسين الخدمات أو بناء مدارس جديدة. وأشاروا إلى أن المنهاج المقترح يركز على فلسفة مؤسس حزب "العمال الكردستاني"، عبد الله أوجلان، (المعتقل منذ عام 1999)، ويتطرق إلى ديانات أخرى، وهي قضايا يعتبرونها حساسة.
توفيق الرجب، وهو أحد المدرسين في دير الزور، أكد أن المنهاج مرفوض محليًا، مشيرًا إلى أن "الإدارة الذاتية" حاولت فرضه في العام الماضي، لكن المدرسين اعتمدوا على منهاج "يونيسف". ويرى الرجب أنه على الرغم من أن منهاج "يونيسف" لا يغطي جميع احتياجات الطلاب، إلا أنه أفضل من المنهاج الذي تحاول "الإدارة الذاتية" فرضه منذ سنوات.
وذكر أنه في هذا العام لم تقم أي مدرسة في ريف دير الزور بتعليم منهاج لا يتوافق مع الدين الإسلامي أو العادات والتقاليد المتعارف عليها في المنطقة. واعتبر أن القرار سيدفع الكثيرين للعزوف عن تعليم أبنائهم في المدارس التي تقع تحت سيطرة "الإدارة الذاتية"، محذرًا من أن الوضع التعليمي سيزداد سوءًا إذا لم تتخذ "الإدارة الذاتية" خطوات فعلية لتحسينه.
حلا، وهي أم لثلاثة أطفال، فضلت عدم نشر اسمها الكامل لأسباب أمنية، طالبت بفصل التعليم عن التجاذبات السياسية، معتبرة أن المناهج المفروضة، خاصة فيما يتعلق بالدين، غير مناسبة. وزادت هذه القرارات من إحباط حلا من الواقع التعليمي، بعد ما وصفته بـ"خذلان" وزارة التعليم لهم في موضوع الاعتراض على نتائج الامتحانات والمفاضلة في جامعة "الفرات". واعتبرت أن غياب التعليم وتدهور المناهج هما السبب الرئيس في الانحراف وانتشار الجريمة بين الأطفال.
نتائج "كارثية"
مدير مدرسة في الحسكة، فضل عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي إن مدينتي الحسكة والقامشلي شهدتا انحسارًا في عدد المدارس الحكومية، بينما سعت مدارس أخرى لفرض مناهجها، مما دفع الأهالي للعزوف عن إرسال أبنائهم إلى المدارس. وأدى هذا الوضع إلى انتشار الجهل وتدمير مستقبل الأطفال وتفشي السلوكيات السلبية كالنصب والسرقة، بحسب المدير.
كما أدى قرار فرض مناهج معينة إلى هجرة الكثير من العائلات نحو الداخل السوري لتأمين تعليم أبنائها. وتواصلت عنب بلدي مع مكتب لجنة التربية والتعليم في مدينة الرقة، إلا أنه رفض الحديث لعدم وجود تصريح للعمل في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية".
ورقة تفاوضية
الدكتور فريد سعدون، وهو أكاديمي ومحلل سياسي، قال لعنب بلدي إن هذا القرار يأتي في سياق تعثر المفاوضات السياسية بين "الإدارة الذاتية" والحكومة السورية، والتي يعد ملف التعليم أحد أبرز بنودها. وأضاف أنه عندما تتعطل المسارات السياسية، تتوقف معها المفاوضات حول القضايا المرتبطة بها. وفي هذا السياق، يفسر سعدون قرار "الإدارة الذاتية" بأنه ورقة ضغط تهدف إلى تعزيز موقفها التفاوضي.
واعتبر أن إغلاق آخر مؤسسة حكومية ما زالت تعمل في مناطق "الإدارة الذاتية"، وهي مؤسسة التربية والتعليم، يجعل من وجود الحكومة في هذه المناطق أمرًا غير واقعي، ويدفعها إلى التفاوض بجدية أكبر. وأشار إلى أنه على الرغم من أن القرار قد يبدو حاسمًا، إلا أنه يرى أن الطلاب كانوا مستعدين نفسيًا لهذه الخطوة، فواقع المدارس الحكومية كان صعبًا، حيث كانت مقتصرة على "المربع الأمني" إبان سيطرة النظام السوري السابق وكانت تعاني من اكتظاظ شديد، إذ وصل عدد الطلاب في الفصل الواحد إلى ما يقارب 50 طالبًا.
وبسبب هذا الوضع، كان معظم الطلاب يلجؤون إلى المعاهد الخاصة، ما يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الأهالي. ومع إغلاق المدارس الحكومية، سيجبر الطلاب تلقائيًا على الانتقال إلى مدارس "الإدارة الذاتية". المشكلة الكبرى في هذا المسار، بحسب سعدون، تتمثل في مسألة الاعتراف، وهي محور المفاوضات بين الطرفين.
إذا توصلت "الإدارة الذاتية" والحكومة السورية إلى اتفاق سياسي، فمن المرجح أن يتم حل مشكلة الاعتراف بالشهادات والجامعات التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، أضاف سعدون. وفي حال لم يتم التوصل إلى حل، فستستمر "الإدارة الذاتية" بفرض مناهجها وإدارة مؤسساتها التعليمية بشكل مستقل، مما قد يترك الطلاب في حالة من عدم اليقين حول مستقبلهم الأكاديمي والمهني.