الإثنين, 8 سبتمبر 2025 12:35 AM

سوريا واقتصاد المؤثرين: هل يعكس "عصر القرف" تحولات السوق؟

سوريا واقتصاد المؤثرين: هل يعكس "عصر القرف" تحولات السوق؟

أثار مؤتمر "سكريبت" لصناع المحتوى والمؤثرين، الذي أُقيم في حلب برعاية وزارة الإعلام السورية، جدلاً واسعًا واستياءً بين السوريين. لم يُنظر إليه كمبادرة ثقافية أو اقتصادية، بل أثار الغضب، خاصةً مشهد أحد المؤثرين الشباب محاطًا برجال الأمن، مما أثار استغرابًا واعتُبر استعراضًا للتفاهة.

سوريا تتجه نحو نموذج اقتصادي جديد يعتمد على الثقافة الرقمية والسياحة كمحركات للنمو، مستلهمةً تجارب دول مثل سنغافورة والسعودية. في هذا النموذج، يلعب المؤثرون دورًا أساسيًا في الترويج للبلد، بغض النظر عن محتوى ما يقدمونه. المؤثرون، بفضل أعداد متابعيهم الكبيرة، قادرون على تحريك المال والسياحة.

يشهد العالم حالة فراغ فكري، ففي فرنسا لم يعد هناك شعراء بحجم بودلير أو رامبو، ولا فلاسفة بثقل سارتر أو فوكو. وفي العالم العربي، يعكس غياب شخصية شعرية بمستوى محمود درويش أو نزار قباني هذا الانطفاء الثقافي. نعيش في عصر الاستسهال والسرعة، حيث المنصات الرقمية تبتلع أي مشروع عميق.

في سوريا، انتهت التجربة القومية الاشتراكية إلى نتائج كارثية، واليسار والتيارات الإسلامية غير قادرين على تقديم مشروع جامع. ما يبقى هو اقتصاد السوق، الذي تراه السلطة ممكنًا. السؤال المطروح: هل هؤلاء المؤثرون بتفاهتهم هم أبطال المرحلة؟ الجواب: نعم، هذا هو منطق السوق.

المحللة النفسية الفرنسية جوليا كرستيفا في كتابها "essai sur l’abjection" (مقالة حول المقرف أو سلطة المنبوذ) درست كيف يمتلك "المقرف" قوة جذب خاصة. القرف يتحول إلى استراتيجية تسويقية وفنية. أمثلة على ذلك فستان ليدي غاغا المصنوع من اللحم النيء، وملابس الأزياء العالمية التي لا يمكن ارتداؤها فعلًا.

في السياق العربي، مشاهير "تيك توك" وغيرهم يبنون شهرتهم على القرف. المؤثر التركي الذي يرقص بكرشه أمام المطاعم، أو السيدة المصرية التي تأكل الدجاج بطريقة مقززة، كل هذه المشاهد تبني شهرتها على القرف. الظاهرة وصلت إلى أقصى حدودها في الصين، حيث لقيت شابة مشهورة مصرعها بسبب الإفراط في جلسات الأكل المقزز. ضمن هذا الإطار نفهم سر نجاح ذلك الشاب الحلبي الذي اشتهر بكلمة “تفه”.

نحن في "عصر القرف"، حيث التفاهة والاشمئزاز أصبحا جزءًا من البنية الاقتصادية والثقافية المعاصرة. في سوريا، يلتقي هذا مع توجه السلطة نحو اقتصاد السوق والانفتاح السياحي والخدمي. السوق لا يكترث بالقيمة الفكرية، بل بما يحقق الانتباه والتداول. أليست هذه هي النتيجة الطبيعية لمن يطالبون باقتصاد حر واقتصاد سوق؟

مشاركة المقال: