الإثنين, 8 سبتمبر 2025 01:15 AM

نزوح البدو من السويداء: هل يهدد بتغيير ديموغرافي دائم في جنوب سوريا وسط غياب الحلول السياسية؟

نزوح البدو من السويداء: هل يهدد بتغيير ديموغرافي دائم في جنوب سوريا وسط غياب الحلول السياسية؟

تستمر الخلافات بين الحكومة السورية والسلطات المحلية الدرزية في السويداء، في ظل غياب أي حوار سياسي بين الطرفين.

تحولت قاعات الدراسة في مدرسة ببلدة أبطع في محافظة درعا جنوب سوريا إلى ملاجئ مؤقتة لعائلات بدوية نزحت من محافظة السويداء بسبب الاشتباكات الطائفية التي اندلعت قبل أكثر من شهر. تعيش في كل غرفة ما بين 3 و 4 عائلات، ويعاني النازحون من الازدحام الشديد ونقص الخصوصية، حيث ينام النساء والأطفال داخل المدرسة، بينما يضطر الرجال للنوم في الفناء الخارجي.

منيرة الحمد، البالغة من العمر 56 عاماً، وهي من قرية الكفر بريف السويداء، تقيم مع عائلتها في المدرسة وتخشى من عدم وجود مأوى بديل عندما يُعاد افتتاح المدرسة للطلاب هذا الشهر. وقالت لوكالة «أسوشييتد برس»: «لا نريد العيش في الخيام. نريد من الحكومة توفير منازل أو مكان مناسب للعيش». وأضافت: «من المستحيل على أي شخص العودة إلى منزله، فلمجرد أنك مسلم فإنهم يعدّونك عدواً في السويداء».

نازحات من عشائر بدو السويداء داخل أحد مراكز الإيواء بمدرسة في قرية السهوة بمحافظة درعا (رويترز)
نازحات من عشائر بدو السويداء داخل أحد مراكز الإيواء بمدرسة في قرية السهوة بمحافظة درعا (رويترز)

بدأ الصراع في يوليو (تموز) الماضي باشتباكات محدودة بين قبائل بدوية سنية محلية وأفراد من الطائفة الدرزية، ثم تطورت إلى معارك عنيفة بين البدو وقوات النظام من جهة، والمجموعات المسلحة من الدروز من جهة أخرى، وتدخلت إسرائيل إلى صف الدروز، وقصفت مواقع في المنطقة. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل المئات، معظمهم من الدروز، وفرض حصار على السويداء مع وصول محدود للمساعدات، وفقاً لما ذكره السكان. وذكرت منظمة العفو الدولية أنها وثقت 46 حالة «قتل متعمد وغير قانوني» لرجال ونساء من الطائفة الدرزية، وفي بعض الحالات من قبل «قوات النظام والقوات المرتبطة بها».

على الرغم من تراجع حدة القتال، لا يزال أكثر من 164 ألف شخص نازحين، وفقاً للأمم المتحدة، بمن فيهم الدروز داخل السويداء، وعائلات بدوية فرت أو نُقلت من المحافظة ولا ترى أي أمل في العودة، مما قد يؤدي إلى تغيير ديموغرافي دائم.

مقتنيات عائلات بدوية طردت من السويداء (سانا)
مقتنيات عائلات بدوية طردت من السويداء (سانا)

توضح الحمد أن عائلتها «بقيت محاصرة 15 يوماً دون طعام أو أي إمدادات»، قبل أن ينقذهم الهلال الأحمر السوري. وأضافت أن ابن عمها وجارها تعرضا لهجوم من مسلحين خلال فرارهما وسرقت سيارتهما مع أغراضهما. ويقول جراح محمد (24 عاماً) إن العشرات من سكان «سهوة بلاطة»، وهي قرية صغيرة في محافظة السويداء، فروا، وهو معهم وعائلته، سيراً على الأقدام خلال الليل عندما اشتعلت المعارك في قريتهم. وأضاف أن 9 من سكان المنطقة قتلوا برصاص مسلحي الطائفة الدرزية، بينهم 3 أطفال دون 15 عاماً، ولم يكن مع جميعهم أي سلاح… «لم يعد أحد إلى منزله. لقد حرقوا المنازل ونهبوا محتوياتها»، قال جراح… «لا يمكننا العودة إلى السويداء، فليس هناك أمان بيننا وبين الدروز… ونحن أقلية في السويداء».

تشير منيرة الصياد بهاتفها الجوال وعليه صورة أحد جثمانَي ولديها اللذين قُتلا على يد مسلحين دروز… خلال جلوسها داخل غرفة بفندق مُخصص لإيواء النازحين من البدو في السيدة زينب بريف دمشق يوم 23 أغسطس 2025 (أ.ب)
تشير منيرة الصياد بهاتفها الجوال وعليه صورة أحد جثمانَي ولديها اللذين قُتلا على يد مسلحين دروز… خلال جلوسها داخل غرفة بفندق مُخصص لإيواء النازحين من البدو في السيدة زينب بريف دمشق يوم 23 أغسطس 2025 (أ.ب)

في فندق بضاحية السيدة زينب بريف دمشق تحول إلى مركز إيواء، يُعاني حمود المخماس وزوجته منيرة الصياد من فقدان ابنيهما البالغَين من العمر 21 و23 عاماً برصاص المسلحين، بالإضافة إلى ابنة أخ حمود وابن عمه، عندما كانوا يحاولون الفرار من منازلهم ببلدة شهبا. تشعر الزوجة بالضيق في غرفة الفندق، حيث لا مطبخ لتجهيز الطعام لأطفالها الصغار. وتقول العائلة إن المساعدات الغذائية غير منتظمة، ويقول المخماس: «أحتاج إلى مساعدة مالية، فنحن دون منازل. لا أعتقد أننا سنعود؛ الدروز يسكنون منازلنا».

منيرة الصياد وزوجها حمود المخماس يتحدثان إلى وكالة «أسوشييتد برس» داخل غرفة بفندق مُخصص لإيواء النازحين بضاحية السيدة زينب في ريف دمشق يوم 23 أغسطس 2025 (أ.ب)
منيرة الصياد وزوجها حمود المخماس يتحدثان إلى وكالة «أسوشييتد برس» داخل غرفة بفندق مُخصص لإيواء النازحين بضاحية السيدة زينب في ريف دمشق يوم 23 أغسطس 2025 (أ.ب)

«لم تقدم الحكومة أي إجابات واضحة. أكد المسؤولون أن النزوح مؤقت، لكنهم لم يشرحوا مدة النزوح أو الخطط أو الاستراتيجيات التي لديهم لإعادة النازحين»؛ قال حايد حايد، الباحث في «مبادرة الإصلاح العربي» ومركز لـ«تشاتام هاوس» بلندن. وعدّ أن «إعادة النازحين إلى ديارهم تتطلب حلاً سياسياً، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، نظراً إلى عدم وجود اتصالات مباشرة بين الحكومة في دمشق والسلطات الفعلية في محافظة السويداء». يذكر أن الشيخ حكمت الحجري، أحد أبرز قادة الطائفة الدرزية في السويداء، يدعو إلى استقلال جنوب سوريا، وهو مطلب رفضته دمشق، وقد أعلن مؤخراً عن تشكيل «حرس وطني» يضم فصائل عدة مسلحة من أبناء الطائفة الدرزية.

بالنسبة إلى بعض السكان، تثير هذه الأحداث ذكريات مؤلمة من الحرب الأهلية السورية التي استمرت نحو 14 عاماً، عندما جرى إجلاء المقاتلين والمعارضين للرئيس السابق بشار الأسد من المناطق التي استعادتها القوات الحكومية من المعارضة. وأصبحت الحافلات الخضراء التي نقلتهم رمزاً للتهجير والهزيمة في نظر كثيرين. وتزداد حدة التوترات بين الجماعات الآن. ويعدّ البدو في السويداء، الذين يشتغلون تاريخياً بتربية المواشي، أنفسهم من السكان الأصليين للمنطقة قبل وصول الدروز في القرن الثامن عشر، هرباً من العنف في ما يُعرف اليوم بلبنان. وقد عاشت الجماعتان في سلام إلى حد كبير، لكن توترات عنف متفرقة كانت تحدث بين الحين والآخر. في عام 2000، قتل بدوي درزياً في نزاع على أرض، وتدخلت القوات الحكومية وأطلقت النار على المتظاهرين الدروز. وبعد هجوم تنظيم «داعش» على الدروز في السويداء عام 2018، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، اتُّهم البدو بالتعاون مع التنظيم.

جدار منزل عائلة سرّايَ بمدينة السويداء مليء بثقوب الرصاص بعد أحداث العنف الطائفي التي شهدتها المدينة في يوليو 2025 (أرشيفية – رويترز)
جدار منزل عائلة سرّايَ بمدينة السويداء مليء بثقوب الرصاص بعد أحداث العنف الطائفي التي شهدتها المدينة في يوليو 2025 (أرشيفية – رويترز)

تصاعدت التوترات مؤخراً عندما أنشأت إحدى العشائر في السويداء نقطة تفتيش، وهاجمت رجلاً درزياً وسلبت ممتلكاته؛ مما أدى إلى تبادل الهجمات وعمليات الخطف. لكن التوترات كانت تتصاعد قبل ذلك، وقال بدوي نزح من بلدة الكفر، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه خوفاً على سلامته، إن شقيقه اختُطف عام 2018 من قبل مجموعة مسلحة تابعة لحركة إسلامية طلبت منه فدية. وفي 12 يوليو الماضي، قبل يوم من اندلاع الاشتباكات، قال إن مجموعة من المسلحين التابعين للشيخ الهجري زارت منزل عائلته وهددت والده وأجبرته على التوقيع على ورقة تنازَل بموجبها عن ملكية المنزل. واستدرك: «ليس جميع الدروز سيئين. بعضهم ساعدونا، لكن هناك أيضاً مسلحون أشرار». وأضاف: «إذا لم تجد الدولة حلاً بعد احتلال منازلنا، فسنحمي حقوقنا بأنفسنا».

وأبدت السيدة الصياد، والدة الشقيقين القتيلين، رغبة في الانتقام. وقالت: «أريد من الحكومة أن تفعل مع هؤلاء ما فعلوه بابني». وقال حايد إن «التوترات بين الجماعات يمكن حلها مع مرور الوقت، لكنها أصبحت الآن في المرتبة الثانية بعد القضايا السياسية الأكبر منها بين دمشق وبلدة السويداء». وأضاف: «دون وجود حوار حقيقي للتغلب على هذه الاختلافات، فإنه يصعب تخيّل كيف يمكن حل النزاعات المحلية».

مشاركة المقال: