الإثنين, 8 سبتمبر 2025 10:05 PM

تصعيد التوتر في الكاريبي: ترامب يستعرض القوة أم ينذر بحرب؟

تصعيد التوتر في الكاريبي: ترامب يستعرض القوة أم ينذر بحرب؟

مع اقتراب نهاية الأسبوع المقبل، من المتوقع وصول عشر طائرات مقاتلة من طراز «أف – 35» إلى بورتوريكو، مما يزيد من الوجود العسكري الأميركي في جنوب البحر الكاريبي. هذا التعزيز أثار قلق العديد من المراقبين الذين يخشون من تحول المنطقة إلى ساحة حرب جديدة بقيادة الولايات المتحدة، مع تداعيات محتملة على جميع أنحاء أمريكا اللاتينية.

بالنسبة لكاراكاس، وكثير من المحللين الغربيين، لا توجد مبررات كافية لممارسات إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. تحت شعار مكافحة المخدرات، استهدفت الإدارة سفينة زعمت أنها تابعة لعصابة «تران دي أراغوا» الفنزويلية في المياه الدولية، مما أدى إلى غرق 11 شخصًا كانوا على متنها. بالإضافة إلى ذلك، تواصل الإدارة تعزيز الحشد العسكري في منطقة لا تعتبر، وفقًا للعديد من البيانات الرسمية، المصدر الرئيسي لتدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة. تشير بيانات «إدارة مكافحة المخدرات» إلى أن حوالي 74% من شحنات الكوكايين في عام 2019 تم نقلها عبر المحيط الهادئ، معظمها من كولومبيا والإكوادور، مقارنة بـ 24% عبر منطقة البحر الكاريبي، مما يشير إلى أن الحشد الأميركي البحري الحالي لن يحدّ من عمليات التهريب.

ردًا على الممارسات الأميركية الأخيرة، أعلن الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، عن حملة لتعبئة أكثر من 8 ملايين مواطن، واصفًا هذه الجهود بأنها «موقف وطني» ضد الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة، وجزء من «مقاومة أوسع ضدّ القوة الأميركية في أميركا اللاتينية».

كذلك، ستنشر فنزويلا «15 ألفاً و751 قاعدة دفاع شعبية و5 آلاف و336 وحدة ميليشيا طائفية في جميع أنحاء البلاد»، بحسب وسائل إعلام فنزويلية وغربية. هذه القوات تندرج ضمن «الميليشيا البوليفارية الوطنية»، وهي احتياطي مدني أنشأه الراحل هوغو شافيز لدمج المواطنين العاديين في نظام الدفاع في البلاد، وإعطائهم دوراً مباشراً في حماية الأمن الوطني.

أعلن مادورو أن ما يقرب من 4.5 ملايين مواطن خضعوا بالفعل للتدريب، فيما من المتوقع أن ترفع حملة التجنيد الجديدة، التي ستتم عبر منصة رقمية، العدد الإجمالي إلى أكثر من 8 ملايين. ويأتي ذلك بعدما كانت طائرتان مقاتلتان فنزويليتان قد حلقتا بالقرب من مدمّرة أميركية، في مناورة وصفها البنتاغون بأنها «استفزازية». مادورو يرى أن بلاده تواجه «تيارات متطرفة واتجاهات نازية من الشمال تهدد السلام في أميركا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي وتستمر في مهاجمة حقوق شعوبنا»

تصرفات ترامب تعكس «انحرافاً» عن عقود من عمليات مكافحة المخدّرات الأميركية.

في ظلّ احتمال قيام القوات الأميركية بـ«غزو» فنزويلا، يستبعد تقرير نشرته مجلة «نيوزويك»، بناءً على آراء عدد من الخبراء في شؤون أميركا الجنوبية، السيناريو المشار إليه، على المدى المنظور أقله. ويقتبس التقرير عن حديث كريستوفر ساباتيني، الباحث في شؤون أميركا الجنوبية في مركز «تشاتام هاوس» في لندن، إلى صحيفة «ذي غارديان»، أنه «لا أحد سليم العقل يظن أن 4 آلاف و500 جندي قادرون على غزو بلد يضم جبالاً وأدغالاً وعدة مراكز حضرية»، وأن ما يحصل هو «مجرد استعراض من الطرفين».

من جانبه، يشير الباحث في الأمن القومي في «مجلس الجيواستراتيجيا» البريطاني، ويليام فريير، في حديث إلى المجلة، إلى أن «قراءة النوايا دائماً صعبة»، لكنّ إدارة ترامب، ورغم انزعاجها من دور فنزويلا في تدفق المخدرات، «لم تُظهر حتى الآن أي نية واضحة للتدخل العسكري المباشر».

وعلى الرغم من وجود سيناريوات تتخيّل إنزال مشاة البحرية الأميركية في فنزويلا، فإن كارلوس سولار، الباحث في «معهد الخدمات الملكية المتحدة» في لندن، يرى، بدوره، أنه «إن حدثت مثل هذه العملية، فستكون في مرحلة متأخرة جداً»، لافتاً إلى أن التدخل الأميركي سيبدأ، على الأغلب، عبر هجمات بصواريخ «توماهوك» بعيدة المدى لتدمير دفاعات فنزويلا ومقدراتها العسكرية، مع استهداف مواقع الإمداد ومستودعات الذخيرة والرادارات ومراكز الاتصالات ومنصات الطائرات المُسيّرة.

أما فنزويلا، فستجد «صعوبة في الرد» في مثل هذه الحالة، نظراً إلى أن «أسطولها الجوي محدود القدرات وضعيف الكفاءة وفرقاطاتها غير مصونة وغواصاتها عتيقة»، على حدّ تعبير سولار، الذي يزعم أن القوات الأميركية ستتفوق في المرحلة الثانية باستخدام الطوربيدات والذخائر الموجّهة والصواريخ المضادة للطائرات.

ووفقاً للتقرير، فإن هذا الجدل أعاد إلى الأذهان عملية الغزو الأميركي لبنما عام 1989، والتي أذن بها الرئيس جورج بوش الأب بزعم جلب رئيس بنما مانويل نورييغا إلى العدالة. وآنذاك، نشرت واشنطن أكثر من 20 ألف جندي، وهو عدد يفوق بأضعاف عديد القوات الأميركية الموجودة حالياً في محيط فنزويلا.

إجراء «غير قانوني» وتعقيباً على عملية استهداف السفينة الفنزويلية، يرد في تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، أنه في حين أكّد مسؤولون في الإدارة الأميركية أن ترامب كان يعمل ضمن صلاحياته الدستورية كقائد أعلى للقوات المسلحة، عندما أمر الجيش بتدمير سفينة في منطقة البحر الكاريبي، واصفين المخدّرات التي يُزعم أن السفينة كانت تهرّبها بأنها «تهديد وشيك للأمن القومي»، فإن الادّعاء المُشار إليه قوبل برفض حادّ من جانب الخبراء القانونيين وبعض المشرّعين، الذين قالوا إن ترامب تجاوز سلطته القانونية باستخدام القوة العسكرية المميتة ضد هدف «لا يشكل خطراً مباشراً على الولايات المتحدة، ومن دون إذن من الكونغرس».

وطبقاً للصحيفة، يؤكد الجدل المشار إليه مدى «الانحراف الذي يمثّله (تصرّف ترامب) عن عقود من عمليات مكافحة المخدّرات الأميركية»، بعدما أثار تساؤلات حول ما إذا كان يمكن التعامل مع مهرّبي المخدّرات كأهداف عسكرية مشروعة.

وفي حين يبرّر بعض المسؤولين في إدارة ترامب عملية استهداف السفينة بكون الجماعة التي على متنها مصنّفة «إرهابية»، يؤكد جيفري كورن، المقدّم المتقاعد الذي كان كبير مستشاري الجيش لقانون الحرب، أنه «ما من طريقة لوصف سفينة مخدّرات متجهة من فنزويلا، ربما إلى ترينيداد، بأنها هجوم مسلح فعلي أو وشيك ضد الولايات المتحدة، ويبرّر بالتالي هذا الرد العسكري».

بدوره، يفيد بريان فينوكين، المحامي السابق في وزارة الخارجية والذي يعمل الآن في «مجموعة الأزمات الدولية»، الصحيفة نفسها، بأن «تصنيف عصابات المخدّرات على أنها جماعات إرهابية لا يسمح باستخدام القوة العسكرية ضدها، بل إنه يمكّن الولايات المتحدة من فرض العقوبات ومتابعة الملاحقات الجنائية ضد الأفراد الذين يدعمون هذه الجماعات». وفي الاتجاه نفسه، يؤكد خبراء آخرون أنه «لا يمكن تبرير العمل العسكري بموجب القانون الذي أقرّه الكونغرس، والذي يسمح باستخدام القوة ضد تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية ذات الصلة في أعقاب هجمات 11 أيلول 2001 الإرهابية».

إدانات دولية وكانت قوبلت التعزيزات الأميركية بانتقادات شديدة من عدة دول في أميركا الجنوبية، ولا سيما من كوبا، التي وصفتها بأنها «استعراض عدواني للقوة ضد سيادة شعوب القارة»، مؤكدةً أن ربط الولايات المتحدة الحكومة الشرعية لفنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو بمنظمات إجرامية متورّطة في تهريب المخدّرات «مجرد ذريعة سخيفة لا أساس لها».

كذلك، في حديثهما عبر الهاتف الأحد، ناقش وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، وييفان جيل بينتو، وزير خارجية فنزويلا، التطورات في منطقة البحر الكاريبي، حيث أعرب الأخير عن أمله في أن تدين الدول الأعضاء في مجموعة «البريكس» ودول أخرى في منطقة أميركا الجنوبية الأعمال العدائية للولايات المتحدة بحزم. ودان عراقجي، من جهته، بشدة «التصرفات الأحادية الجانب والمتسلّطة التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد الدول الأخرى»، مؤكداً دعم بلاده لشعب فنزويلا في مواجهة «تنمّر» الولايات المتّحدة.

مشاركة المقال: