محمد عبد الكريم أحمد - يلقي الصراع المستمر بين إسرائيل واليمن بظلاله على أمن البحر الأحمر وخليج عدن، مما يؤثر على الدول الأفريقية المطلة على هذا البحر. وتثير هذه التداعيات مخاوف من سيناريو الفوضى في القرن الأفريقي وإعادة تقسيم النفوذ في المنطقة بما يتماشى مع أهداف التحرك الإسرائيلي الحالي هناك.
الصومال على خط المواجهة الأمامية
تواجه حكومة الصومال الفدرالية تغول قوى إقليمية ودولية على سيادة البلاد بمستويات غير مسبوقة. ويتجلى ذلك في اعتراف إدارة دونالد ترامب بإقليم أرض الصومال "دولة ذات سيادة" لتحقيق أهداف متعددة، منها مواجهة نفوذ الصين المتنامي في الصومال وبقية دول القرن الأفريقي، وخدمة مصالح دول وأطراف حليفة لها (أبرزها الإمارات وإسرائيل)، إضافة إلى الهدف التقليدي للإدارة الحالية، المتمثل في تسليط أقصى ضغوط ممكنة على دول العالم لفرض "الرؤية الأميركية".
في المقابل، ووفقًا لتقارير صومالية (4 أيلول)، تتجه مقديشو نحو الاعتماد العسكري المتزايد على كل من الصين وتركيا وإيران وقطر لمواجهة هذه التحديات الخطيرة، وموازنة تقاعس الولايات المتحدة وأغلب شركائها عن تقديم مخصصات مالية كانت مقررة لدعم موازنة الحكومة الفدرالية للعام المالي المقبل. ويرتبط هذا التوجه بمصالح الدول المذكورة في تأمين سلامة الطرق البحرية الرئيسية في البحر الأحمر وخليج عدن. ولاحظ مراقبون استمرار مرور السفن الصينية المتجهة إلى أوروبا عبر تلك الممرات، بينما حولت أغلب الدول (مثل الهند) مسار حركة سفنها إلى أوروبا للدوران حول أفريقيا.
وتستهدف مقديشو من تعزيز "تحالفها" مع شركاء لديهم مصالح متقاربة في الإقليم (مثل القاهرة وأنقرة وبكين)، مواجهة الاعتراف الأميركي المحتمل بأرض الصومال، وقطع الطريق أمام الجارة إثيوبيا التي تعول على علاقة خاصة مع "جمهورية أرض الصومال" للحصول على منفذ بحري دائم (وبشروط سيادية) على البحر الأحمر وخليج عدن، في وقت تتآكل فيه سيادة الحكومة الفدرالية على أقاليمها، ولا سيما أرض الصومال وبونتلاند اللتان تطلان على خليج عدن والبحر الأحمر.
ولعل ما تورده تقارير عربية ومحلية حول صلة حركة "أنصار الله" بكل من جماعة "الشباب المجاهدين" وتنظيم "داعش – الصومال"، يعد بمثابة غطاء ملائم لأنشطة الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل العسكرية والأمنية داخل الصومال، وبشكل متصاعد في إقليم بونتلاند، الذي صنفت وزارة الخارجية الأميركية (آب 2025) تنظيم "داعش" الناشط فيه، بأنه أحد أهم مصادر تمويل شبكات التنظيم دوليًا. ويشهد الإقليم المذكور، منذ كانون الأول الماضي، حملة مكثفة ضد "داعش"، بدعم أميركي وإماراتي معلن، زادت وتيرتها في الشهرين الماضي والحالي، بالتزامن مع الهجمات الإسرائيلية ضد اليمن، نهاية آب.
إثيوبيا وإريتريا: حرب جديدة على البحر الأحمر
مثل اتهام إثيوبيا لإريتريا في "مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" (تموز الماضي)، باحتلال أراض في إقليم التيغراي الإثيوبي، وارتكاب انتهاكات في حق سكانه، تحولًا عميقًا في العلاقات بين البلدين، اعتبره بعض المراقبين "نهاية لمدة استقرار العلاقات"، ودليلًا على "انكشاف التناقض التام في توجهاتهما الإقليمية والثنائية". كذلك تكررت في إثيوبيا، في الأسابيع الأخيرة، وسط نشوة إنجاز مشروع "سد النهضة" وقرب تدشينه رسميًا هذا الشهر، مطالب نيل البلاد منفذًا بحريًا "بشروط سيادية"، يؤمل أن يكون مسرحه إقليم عصب الإريتري.
وفي مطلع أيلول الجاري، اعتبر مسؤولون عسكريون إثيوبيون رفيعو المستوى، الوصول إلى منفذ بحري "مسألة حياة (أو موت)"، علمًا أن أديس أبابا تتذرع في سعيها إلى الاستيلاء على ميناء عصب "بالحق التاريخي"، واعتبارات القرب الجغرافي والأمن القومي. وقال مدير العلاقات الخارجية والتعاون العسكري في وزارة الدفاع الإثيوبية، الميجور جنرال تيشومي جيماتشو، إن ميناء عصب إثيوبي، وإن "مسألة البحر الأحمر باتت مسألة حياة (لإثيوبيا)"، وإنه "عندما نتحدث عن حياتنا، فإننا سندفع أي ثمن مطلوب".
ويأتي التصعيد الإثيوبي، الذي يقابله تحفز إريتري واضح، فيما تعزز إدارة ترامب، منذ نهاية آب الماضي، ما تصفه بالأهمية الإستراتيجية لطريق البحر الأحمر – قناة السويس. واتضح ذلك في تبني السفير الأميركي في أنقرة، توم براك، في الأسابيع الأخيرة، رؤية الاعتماد على تركيا في تحقيق نفوذ أميركي أكبر في الإقليم، بل وفي العالم الإسلامي ككل، في حين تعول أجنحة أخرى في الخارجية الأميركية على الدور الإماراتي لدعم إثيوبيا وتمويل مساعيها للوصول إلى منفذ بحري (سواء في إريتريا أو في الصومال). وهكذا، تواصل واشنطن سياسة التصعيد الحذر، أو التدريجي، لربط الصراع الإثيوبي – الإريتري بمجمل الأوضاع في البحر الأحمر، وهو ما يتسق مع سياسات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد.
أما إريتريا، فقد ردت (4 الجاري) على ادعاءات إثيوبيا بخصوص "حقوقها التاريخية في ميناء عصب"، برفض ما وصفته بـ"التهديدات العسكرية الإثيوبية الهوجاء". وأكد وزير الإعلام الإريتري، يمين جبر ميسكل، أن مسؤولين في "حزب الازدهار" الحاكم في إثيوبيا، يقفون خلف تلك التهديدات التي عدها "مخلفات سياسية". وهكذا، يبدو أن مدة ما بعد إكمال "سد النهضة"، ستشهد تصعيدًا ساخنًا في البحر الأحمر، بالتزامن مع جبهة اليمن التي تشهد بدورها تصعيدًا أميركيًا إسرائيليًا لا يغفل التطورات في القرن الأفريقي الكبير، وتشابكها مع أمن البحر الأحمر بشكل مباشر.