أظهرت مقابلة الرئيس أحمد الشرع مع قناة الإخبارية الليلة الماضية أنها تجاوزت كونها مجرد لقاء إعلامي، لتصبح رسالة سياسية ذات أبعاد عميقة تهدف إلى إعادة صياغة المشهد السوري والإقليمي. وأكد الرئيس الشرع أن إسرائيل أبدت انزعاجها وحزنها لسقوط النظام البائد، معللاً ذلك بفقدانها "سوريا التي تناسبها"، أي سوريا الضعيفة والمنشغلة بصراعات إقليمية لا نهاية لها، وليست سوريا المزدهرة التي تسعى إلى بناء نفسها كدولة ذات قرار مستقل. هذا الطرح يفتح آفاقاً لفهم جوهر الصراع وموقع سوريا في خريطة المنطقة.
كما أوضح الرئيس الشرع أن إسرائيل تسعى إلى استهداف سوريا وتفتيتها، وتراهن على تحويلها إلى ساحة حرب مستمرة، سواء عبر صراعات مع قوى إقليمية كإيران، أو من خلال إشعال نزاعات داخلية وتقسيم البلاد إلى كيانات طائفية وعرقية، بهدف إضعاف سوريا وتقويض قدرتها على القيام بدور مؤثر في محيطها. وأشار إلى أن سقوط نظام الأسد كان بمثابة صدمة لتل أبيب، لأنها خسرت بذلك الورقة التي كانت تضمن لها "حدوداً آمنة" في الجولان، ودولة ضعيفة غير قادرة على النهوض.
في هذا السياق، يمكن فهم الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية، والتي استهدفت مواقع عسكرية ومدنية، كمحاولة لزعزعة الاستقرار الداخلي السوري وإيصال رسالة مفادها أن إسرائيل لا تزال قادرة على فرض قواعد اللعبة. غير أن هذه الاعتداءات، كما أكد الرئيس الشرع، تفتقر إلى أي مسوغ قانوني أو سياسي، خاصة وأن دمشق جددت التزامها باتفاق 1974، ووجهت رسالة إلى الأمم المتحدة تطالب فيها قوات الأندوف بالعودة إلى مواقعها، مما يعني أن سوريا اختارت التمسك بالقانون الدولي والتهدئة، بينما فضلت إسرائيل منطق القوة والعدوان.
الأهم في كلمة الرئيس الشرع هو تحديده لملامح سوريا الجديدة، التي تحررت في الثامن من كانون الأول الماضي، والتي ترفض العودة إلى الماضي أو الانخراط في سياسة المحاور، بل تسعى إلى أن تكون دولة فاعلة ومنفتحة على العالم، وتتطلع إلى الاستقرار والسلام في علاقاتها الخارجية، بعيداً عن التوترات والتحالفات. هذا التوجه يضع الكرة في ملعب القوى الإقليمية والدولية، إما أن تتعامل مع سوريا كدولة مستقلة ذات سيادة، أو أن تتحمل مسؤولية محاولات تقويض استقرارها.
وشدد الرئيس الشرع على أهمية الحفاظ على بنية الدولة، مؤكداً أن أي تغيير يجب أن يتم في إطار استراتيجية وطنية هادفة، وليس وفقاً لإملاءات أو ضغوط خارجية. كما دعا إلى تجاوز الماضي وعدم الانغماس فيه، لأن التقدم لا يتحقق إلا من خلال الانطلاق نحو المستقبل بديناميكية واسعة، قوامها الوحدة والسيادة والمصلحة السورية أولاً.
من هنا، تحمل كلمة الرئيس الشرع دلالات استراتيجية واضحة، أبرزها أن إسرائيل تجد نفسها الخاسر الأكبر من هذا التحول، لأنها فقدت "سوريا التي تتناسب مع حساباتها"، حيث ترى في نهضة سوريا الجديدة تهديداً لمشاريعها القائمة على الإضعاف والتفتيت، ولهذا تصعد من اعتداءاتها وعدوانها. في المقابل، تضع دمشق أسس مشروعها الوطني على قاعدة الدولة الواحدة المستقلة، التي تسعى إلى علاقات متوازنة مع العالم. هذا المسار قد يكون صعباً، لكنه يفتح أمام سوريا فرصة تاريخية لإعادة بناء نفسها وإفشال المخططات التي استهدفتها على مدى عقود، وهو التحدي الحقيقي أمام السوريين الذين يطمحون إلى مشروع وطني شامل يعيد رسم مستقبل البلاد على أساس الوحدة والسيادة والاستقلال. الوطن