الأحد, 14 سبتمبر 2025 02:56 PM

الشرع في نيويورك: زيارة تاريخية للأمم المتحدة وسط ترقب الخطاب ومخاوف العقوبات

الشرع في نيويورك: زيارة تاريخية للأمم المتحدة وسط ترقب الخطاب ومخاوف العقوبات

عنب بلدي – عمر علاء الدين – بعد الجدل الذي أثير حول مشاركة الرئيس السوري، أحمد الشرع، في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلنت سوريا رسميًا عن زيارة الشرع إلى نيويورك. وتعد هذه الزيارة الأولى لرئيس سوري منذ عام 1967، وفقًا لما ذكرته وكالة الأنباء السورية (سانا) في العاشر من أيلول الحالي.

وقبل التأكيد الرسمي، أثارت هذه المشاركة تساؤلات حول آلية حضور الرئيس السوري، والعقبات المحتملة بسبب إدراجه على لائحة العقوبات الأممية. ففي آب الماضي، مارست أمريكا ضغوطًا لرفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على الرئيس السوري و"هيئة تحرير الشام" (المنحلة حاليًا)، حسبما أفاد موقع "المونيتور" الأمريكي. وأشار الموقع إلى أن المسودة الأصلية تضمنت رفع تصنيف "هيئة تحرير الشام" ككيان إرهابي، لكنها واجهت معارضة محتملة من أعضاء مجلس الأمن مثل الصين، مما أدى إلى حذف هذا البند والسعي بدلًا من ذلك لشطب اسم الجماعة عبر لجنة العقوبات الأممية.

يسلط هذا التقرير من عنب بلدي الضوء على العقبات التي واجهت الرئيس السوري لحضور هذا الحدث، ومخاوف الصين، وكيف تعاملت سوريا والولايات المتحدة مع هذه التحديات.

الوضع القانوني للشرع

أشار موقع "المونيتور" إلى أن الرئيس السوري، أحمد الشرع، ووزير داخليته أنس خطاب، يحتاجان إلى موافقات خاصة من الأمم المتحدة للسماح لهما بالتنقل عبر الطيران إلى الدول الأخرى. وبالرجوع إلى نص العقوبات الأممية المفروضة على الشرع، تبين إدراجه في تموز 2013 بالرقم "QDI.317"، وذلك لارتباطه بتنظيم "القاعدة" بعد مبايعته لزعيم "جبهة النصرة"، أيمن الظواهري.

أدرج تنظيم "جبهة النصرة لأهل الشام" بالقائمة في 14 من أيار 2014، عملًا بالفقرتين 2 و3 من القرار 2083 (2012) ككيان مرتبط بتنظيم "القاعدة"، بسبب المشاركة في تمويل أعمال أو أنشطة يقوم بها تنظيم القاعدة (QDe.004) وتنظيم القاعدة في العراق (QDe.115) أو التخطيط لهذه الأعمال أو الأنشطة أو تيسير القيام بها أو الإعداد لها أو ارتكابها، أو المشاركة في ذلك معهما أو باسمهما أو بالنيابة عنهما أو دعمًا لهما والتجنيد لحسابهما أو تقديم أي أشكال أخرى من الدعم للأعمال أو الأنشطة التي يقومان بها.

الأمم المتحدة ـ لائحة الجزاءات في مجلس الأمن

في كانون الثاني 2017، أنشأت "جبهة النصرة" "هيئة تحرير الشام" كـ"وسيلة لتعزيز موقعها بين حركات التمرد السورية والمضي قدمًا في تحقيق أهدافها كتنظيم تابع لتنظيم (القاعدة) في سوريا". وعلى الرغم من أن ظهور "هيئة تحرير الشام" وُصف بطرق عدّة، واصلت بسط هيمنتها وعملت من خلال "هيئة تحرير الشام" سعيًا إلى تحقيق أهدافها، وفق بيان الأمم المتحدة المرفق بقائمة العقوبات.

تضم القائمة 254 شخصًا و89 كيانًا، من بينهم الشرع. ويخول القانون:

  • الدول الأعضاء في مجلس الأمن: حيث يجوز لها أن تقدم إلى اللجنة (القائمة على العقوبات) في أي وقت طلبات لرفع أسماء أفراد وكيانات مدرجة على قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم "الدولة الإسلامية" وتنظيم "القاعدة".
  • الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المدرجة أسماؤهم في القائمة: حيث يمكن لصاحب الطلب الذي يرغب في تقديم طلب للرفع أن يفعل ذلك بصورة مباشرة، أو بواسطة أحد الممثلين، عن طريق الاتصال بمكتب أمينة المظالم الخاصة باللجنة.

يجب أن تتضمن طلبات رفع الأسماء من القائمة توضيحًا للسبب في أن الإدراج “لا يفي أو لم يعد يفي بمعايير الإدراج في القائمة، وذلك عن طريق الاعتراض على أسباب الإدراج كما وردت في قيد القائمة الخاص بذلك الفرد أو الكيان”. كما ينبغي أن تتوفر معلومات حول المهنة أو الأنشطة الحالية للشخص المدرج، وأي معلومات أخرى ذات صلة.

هناك حالتان للموافقة على رفع الاسم من قائمة العقوبات:

  • إذا كان طلب الرفع مقدمًا من دولة لم تقترح الاسم المعني لإدراجه على قائمة العقوبات، تطبَّق عندئذ الإجراءات المعتادة لاتخاذ القرارات في اللجنة، ويُتخذ القرار بتوافق الآراء.
  • إذا كان طلب الرفع مقدمًا من دولة اقترحت الاسم المعني لرفعه من القائمة، أو إذا تعددت الدول صاحبة اقتراح الإدراج، فتقدم جميع الدول المعنية طلب الرفع بصورة مشتركة، يُرفع عندئذ الاسم من القائمة بعد فترة محددة من الزمن.

وينفذ إجراء رفع الاسم في الحالة الثانية، “ما لم يؤيد جميع أعضاء اللجنة الـ15 إبقاء الاسم مدرجًا في القائمة”، أو “ما لم تتم إحالة المسألة إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار بشأنها”.

اتفاقية “المقر” مَخرج قانوني

أوضح المحامي والخبير في القانون الدولي، بسام طبلية، أن اسم الرئيس السوري، أحمد الشرع، لا يزال على قائمة العقوبات الأممية، وأن رفعه يتطلب إجماع لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن. وأشار إلى إمكانية اعتراض الصين باستخدام حق النقض (الفيتو)، لكن الولايات المتحدة يمكن أن تطلب استثناءً للسفر، وهو ما يتطلب موافقة لجنة العقوبات، مما يشير إلى مفاوضات سياسية بين أمريكا والصين.

ويرى طبلية أن المخرج القانوني، في حال عرقلت الصين الأمر، هو سماح أمريكا للشرع بالقدوم إلى نيويورك بموجب اتفاقية "المقر" لعام 1947، التي تلزم الولايات المتحدة بتسهيل وصول ممثلي الدول لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، مع تقييد تحركاته بمسافة 25 ميلًا حول مقر الأمم المتحدة. وأشار إلى أمثلة مماثلة، مثل السماح لقيادات من "الحرس الثوري الإيراني" بحضور اجتماعات الجمعية العامة.

ويرى الخبير بالقانون الدولي أن الأمر بين أمريكا والصين هو تفاوض سياسي لتحقيق مكاسب.

النقطة الحساسة

أفادت الصحفية المختصة في الشؤون الأمريكية والشرق أوسطية، نادين ساندرز، أن الشرع سيحتاج إلى "استثناء للحضور بسبب العقوبات الأممية المفروضة وليس بسبب تصويت الصين". وتلخص محاذير بكين بالإيغور الذين تم تعيينهم في الجيش السوري، وتعتبرهم الصين "إرهابيين". وترى أن تصويت الصين مرتبط برفع العقوبات، وهي على الأغلب ستعارض رفع العقوبات لأن لديها "محاذير سياسية مزدوجة مع الدعم لنهوض سوريا".

وترى أن رفع العقوبات الدولية عن سوريا هو "النقطة الحساسة" التي قد لا تنجح إذا استخدمت الصين "الفيتو"، ولذلك تبذل الجهود لمنع "فيتو صيني".

وترجح ساندرز أن يتمكن الشرع من إلقاء كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كأول رئيس سوري منذ 1967، إذا حصل على استثناء أممي "يوفر له الحصانة بشكل عام". لكن العقوبات التي تخص "هيئة تحرير الشام" لا تزال موجودة، وترجح الصحفية أنها تشمل الشرع، وحينها لن يتمكن من إلقاء كلمة على منبر الجمعية العامة ذاتها، وإنما في اجتماع على جانب فعاليات الجمعية العامة، "أما إذا حصل على استثناء أممي، فسيكون خطابه بمبنى الأمم المتحدة في نيويورك، وفق ما تراه ساندرز.

وخلال حديثها لعنب بلدي، استبعدت أن يكون هناك تصويت في مجلس الأمن على قدوم الشرع، لكن من الممكن أن يُجرى تصويت على رفع العقوبات، وهذا مرتبط بحيثيات أخرى، لا تراها تحدث في الوقت الراهن.

وفي كانون الثاني ونيسان الماضيين، ومرة أخرى في آب، حذر مبعوث الصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، مجلس الأمن علنًا من أن “المقاتلين الإرهابيين الأجانب” لا يزالون نشطين في سوريا، وحث دمشق على الوفاء “بالتزاماتها بمكافحة الإرهاب”، منتقدًا الحزب “الإسلامي التركستاني” بشكل مباشر.

ويرى تقرير لمركز "تشاثام هاوس" نشر في 3 من أيلول الحالي، أن الصين ربما تتردد الآن في الموافقة على رفع العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على أعضاء الحكومة السورية، ما لم تظهر دمشق علامات على أخذ مخاوف بكين بشأن مقاتلي الإيغور على محمل الجد، رغم تواصل سفيرها في دمشق، مع المسؤولين السوريين عدة مرات.

في حزيران الماضي، حثّ مندوب الصين في مجلس الأمن على الإبقاء على عقوبات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، قائلًا إنه “يجب تنفيذها، والتمسك بجدية نظام العقوبات ذي الصلة”.

وتحتفظ بكين بحق النقض (الفيتو) على أي تحرك لإنهاء العقوبات في مجلس الأمن، بحسب التقرير.

أمريكا قادرة والصين ليست كذلك

يرى مدير مكتب المجلس السوري- الأمريكي والمحلل السياسي، عبد الكريم العمر، أن الصين لن تعرقل وصول الشرع إلى الأمم المتحدة، وهي "غير قادرة على ذلك"، خاصة أن "الولايات المتحدة الأمريكية هي من تسعى لرفع العقوبات وتعمل على تهيئة الأجواء ليلقي الرئيس الشرع خطابه في الأمم المتحدة.

وفي حديث إلى عنب بلدي، أشار العمر إلى أن أمريكا هي "القطب الوحيد الذي يتحكم بكل دول العالم"، وهناك دعم أمريكي واضح للقيادة السورية، وهي القادرة على رفع العقوبات عن الرئيس الشرع وعن سوريا، على حد تعبيره.

وبالنسبة للمخاوف الصينية، قال المحلل السياسي، إن سوريا وجهت عدة رسائل لكل دول العالم من أجل إنهاء هذه المخاوف، حيث تضمنت رسائلها العمل مع الجميع على بناء علاقات تخدم سوريا والمجتمع الدولي وتقوم على المصالح المشتركة، وأن تكون مركزًا للسلام لا منطلق تهديد.

ويرى العمر أن حضور الرئيس السوري في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، له دلالة قوية على عودة سوريا إلى المسرح العالمي.

ومن النتائج المترتبة على الزيارة المرتقبة، وفق ما يرى المحلل السياسي عبد الكريم العمر، “اللقاء بممثلي الوفود الدولية والرؤساء من مختلف دول العالم، وشرح وجهة نظر الحكومة السورية تجاه العديد من الملفات الداخلية”. وأضاف أنه ربما قد يكون هناك لقاء بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض.

الوفد السوري الذي سيشارك في اجتماعات الأمم المتحدة حصل على إعفاء رسمي من القيود المفروضة على تنقلات المسؤولين السوريين، بحسب ما نقلته وكالة “أسوشيتد برس” عن مذكرة داخلية لوزارة الخارجية الأمريكية، في 5 من أيلول الحالي.

موقع “إندبندنت عربية” نقل عما سماها “مصادر دبلوماسية خاصة”، في 8 من أيلول الحالي، أن الرئيس الشرع حصل على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الأمريكية، حيث سيجري زيارة إلى الولايات المتحدة تمتد أربعة أيام بين 21 و25 من أيلول الحالي.

وبحسب المصادر، سيرافق الشرع كل من وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ومندوب سوريا الجديد لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، كما أن التحضيرات جارية للقاء آخر بين الشرع وترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ80، كما من المقرر أن يزور الشرع مبنى “البيت التركي” في نيويورك برفقة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

مشاركة المقال: