الأحد, 14 سبتمبر 2025 08:51 PM

تركيا تطلق مبادرة لترميم آثار حلب العثمانية.. جامع العادلية في المقدمة

تركيا تطلق مبادرة لترميم آثار حلب العثمانية.. جامع العادلية في المقدمة

عنب بلدي – موفق الخوجة تعتزم وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA) البدء في ترميم مجموعة من المساجد والأبنية الأثرية التي تعود إلى الحقبة العثمانية في مدينة حلب، شمالي سوريا. وتعتبر وكالة "TIKA" مؤسسة حكومية تركية متخصصة في التنسيق بين المؤسسات الحكومية والمنظمات المختلفة، وتهدف إلى تنفيذ مشاريع متنوعة في مجالات التعليم والصحة والترميم والزراعة والتنمية والسياحة والصناعة، وذلك في الدول التي تعتبرها تركيا دولًا صديقة وشقيقة، وخاصةً الجمهوريات الناطقة باللغة التركية.

وقد أجرت الوكالة زيارتين إلى مدينة حلب، كانت الأولى في 25 من حزيران الماضي، وشملت مواقع أثرية بارزة مثل قلعة حلب والمدرسة "الخسروية" والجامع "الأموي" والأسواق القديمة. واطلع الوفد خلال الزيارة على المشاريع المقترحة للترميم، وأكد على دعم جهود إعادة الإعمار بهدف الحفاظ على الطابع التاريخي والهوية الأثرية للمدينة، وذلك وفقًا لما ذكرته مديرية آثار ومتاحف حلب.

أما الزيارة الثانية، فقد تمت في 25 من تموز الماضي، وضم الوفد مجموعة من المهندسين والأساتذة الجامعيين الأتراك المتخصصين في مجال الترميم الأثري. وذكر مدير قطاع الشؤون الدينية والأثرية في مكتب تنسيق العمل الإنساني بحلب (HAC) التابع لوزارة الخارجية السورية، حسين البهرمي، في تصريح لعنب بلدي، أن الوفد قام بالاطلاع على 57 موقعًا أثريًا في حلب، وذلك بهدف دراسة إمكانية إعادة إعمار أو ترميم هذه المواقع.

"العادلية" أول المشاريع

قدم الوفد وعودًا بترميم وإعادة إعمار العديد من المواقع الأثرية التي تعود إلى الحقبة العثمانية، بحسب البهرمي، مشيرًا إلى أن أول المشاريع التي سيتم تنفيذها هو ترميم جامع "العادلية" الأثري في حلب، بالتعاون مع مديرية الأوقاف بالمدينة، والذي تعرض لأضرار خلال المعارك التي دارت في حلب بين عامي 2012 و2016.

وأوضح مدير قطاع الشؤون الدينية والأثرية في "HAC" لعنب بلدي، أن المدة الزمنية المقدرة لإنهاء مشروع ترميم جامع "العادلية" هي عامان، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الترميم سيتم بدقة وحذر، ومؤكدًا أن كل حجر سيرقّم ويعاد إلى مكانه، كما لفت إلى أن قبة جامع "العادلية" فريدة من نوعها وتحتاج إلى عمل "كبير جدًا"، وفق تعبيره. وذكر البهرمي أن المبلغ النهائي لتكلفة المشروع لم يتم تقديره بعد، كما لم تذكر الوكالة تكلفة المشروع بشكل رسمي.

ما جامع "العادلية"

بحسب منظمة "اليونسكو"، اكتمل بناء جامع "العادلية" عام 1565، وهو العنصر الرئيس في مجمّع دوقاقين زاده محمد باشا، حاكم المدينة بين عامي 1551 و1553. واشتُقّ اسمه (العادلية) من الكلمة العربية "العدل" نظرًا إلى قربه من مقر الحكم في "دار العدل" آنذاك، وصُمّم المسجد على يد المعماري التركي سنان باشا، الذي صمم أشهر المساجد في العهد العثماني، داخل تركيا وخارجها.

تعرّض المسجد لأضرار جراء الزلزال الكبير الذي وقع عام 1822، وتم ترميمه في عام 1923، حيث استُبدل بالسقف الخشبي للرواق الخارجي سقف من الحديد. وفي عام 1975، نُفذت أعمال ترميم مكثفة من قبل مديرية الأوقاف حيث أُزيل السقف الحديدي واستُبدل به سقف جديد من الخرسانة المسلحة. انهارت قبة قاعة الصلاة بالكامل في الفترة ما بين 18 من أيلول 2016 و20 من شباط 2017، كما انهار الطرف الغربي من الرواق الخارجي.

ورغم طابعه العثماني الكلاسيكي، فإن العناصر الزخرفية فيه تجمع بين الأساليب العثمانية التقليدية والمواد والتقنيات المحلية، خاصة في استخدام المقرنصات والبناء متعدد الألوان، وفق "اليونسكو"، ويتميز المسجد بنمط معماري خاص باعتباره المسجد الوحيد في حلب الذي يسبق قاعة صلاته رواق مزدوج.

"الخسرفية".. في إطار الوعود

بعكس ما تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، حول تبني جمعية تركية إعادة إعمار المدرسة "الخسرفية" في حلب، نفى البهرمي أي مشروع قائم لإعادة إعمار المدرسة الأثرية، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن وكالة التعاون والتنسيق التركية أبدت رغبتها في إعادة إعمارها. وأشار البهرمي إلى أن تكلفة إعادة إعمار المدرسة "الخسرفية" يبلغ نحو خمسة ملايين دولار أمريكي، بسبب الدمار الكبير الذي لحقها، وهو ما عدّه رقمًا كبيرًا على قدرة الجمعيات والمنظمات.

وتعد المدرسة "الخسرفية" إحدى أقدم المدارس التي ما زالت قائمة بالتدريس في حلب، إلا أن الدمار الذي لحق في بناء المدرسة الأساسي، اضطر إدارتها إلى نقل الكوادر والطلاب إلى أبنية أخرى ضمن المدينة. مدير المدرسة "الخسرفية"، الشيخ علاء الدين قصير، قال لعنب بلدي، إن الطلاب يداومون في مبينين، الأول ملاصق للمبنى القديم، ويحتوي على طلاب المرحلة الإعدادية لصفي السابع والثامن، بينما يداوم الطلاب الآخرون في مبنى يتبع لجامع "الحسن" في حي الحمدانية غربي حلب. وأوضح قصير أن طلاب المرحلة الثانوية، بالإضافة إلى طلاب الصف التاسع، كانوا يداومون في مبنى بالقرب من دار الإفتاء، بمحيط قلعة حلب، وبسبب ضيق المبنى (11 وحدة صفية) نقلت الإدارة، بدعم من مديرية الأوقاف، إلى جامع "الحسن".

نحو 500 سنة

مجمع "الخسروية/ الخسرفية" بني بأمر من خسرو باشا، والي حلب بين عامي 1531 و1534، وصمّمه سنان باشا، المعماري الشهير في البلاط العثماني. ويشير النقش الموجود فوق مدخل المسجد إلى أن البناء اكتمل في عام 1565، وكان يُعدّ الأكبر في زمانه، وفق "اليونسكو"، ويضم مسجدًا، ومدرسة، وضريحًا، ومطبخًا عامًا، وغرفًا للضيافة.

وتتبع المدرسة إداريًا إلى مديرية الأوقاف، وتدرّس منهاج وزارة التربية، بالإضافة إلى منهاج شرعي إضافي. تعرّض المجمع لأضرار وصفته "اليونسكو" بالجسيمة جرّاء زلزال عام 1822، حيث دُمّر الخان ومعظم المحال، وفي السنوات التالية، تم التخلي عنه، ثم تحول إلى ملجأ للفقراء والمشرّدين. أُجريت أعمال الترميم الأولى في عام 1884 على يد الوالي جميل باشا نامق، وفي عام 1911، قام محمد رضا الزعيم بترميم المدرسة وتجديد الرواق الشمالي، ثم توقفت هذه الأعمال خلال الحرب العالمية الأولى عندما استخدم المجمع لتخزين المعدات العسكرية واحتله الجنود.

وبقيادة يحيى الكيالي، مدير الأوقاف، استؤنفت أعمال ترميم الجزء الشرقي من المجمع بعد الحرب في عام 1921، وأُعيد افتتاحه حينها كمدرسة ثانوية شرعية، وخلال القرن الـ20، نفّذت الأوقاف عدة أعمال ترميم إضافية، شملت من بينها تدعيم قبة المسجد. تحتل المدرسة موقعًا مهمًا، إذ تقع أمام باب قلعة حلب، وكان المسجد هو البناء الوحيد في المجمع الذي لم تطرأ عليه تعديلات كبيرة.

دُمر المسجد والأبنية المحيطة جراء تفجير وقع داخل المدرسة عام 2014، أدى إلى خروجها عن الخدمة تمامًا، باستثناء القسم الملحق في الجهة الجنوبية، والذي يضم حاليًا طلاب السابع والثامن. وتعرضت العديد من المواقع الأثرية في حلب لدمار كامل أو جزئي، جراء العمليات العسكرية بين فصائل المعارضة والنظام السوري السابق، وقصف الأخير الذي نفذه على الأحياء الشرقية والقديمة وسط المدينة، التي كانت تسيطر عليها المعارضة حينها.

وبحسب تقرير لمنظمة "اليونسكو" المعنية بالمواقع الأثرية نُشر في عام 2017، فمن بين 175 موقعًا دينيًا في المدينة 17 مدمر كليًا، و21 متضرر بشكل بالغ، و121 متضرر بشكل متوسط، و11 قد تكون متضررة، و5 دون أذى مرئي.

مشاركة المقال: