بقلم: حسن حردان
ما هي الدلالات التي يمكن استخلاصها من إعلان قسم إعادة التأهيل التابع لوزارة الحرب الإسرائيلية بأنه استقبل منذ بداية الحرب أكثر من 20000 جريح وجريحة من الجيش الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية، وأن حوالي 56% منهم يعانون من ردود فعل نفسية؟ وأن أعداد الجرحى الذين عولجوا في القسم، من جميع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بلغت ذروتها عند حوالي 81700 جريح، منهم 31000 يعانون من اضطرابات نفسية واضطرابات ما بعد الصدمة بنسبة 38%؟
الأسئلة التي تثار هنا: ما الذي يعنيه توقيت الإفصاح عن هذا العدد الكبير من الإصابات؟ وما هو تأثير ذلك على معنويات الجنود الإسرائيليين، وبالتالي على عامة الإسرائيليين؟
أولاً: دلالات الإعلان:
إن إعلان قسم إعادة التأهيل التابع لوزارة الحرب الإسرائيلية عن هذه الأعداد الكبيرة من الجرحى يحمل دلالات متعددة، منها:
- الدلالة الأولى: الأرقام المعلنة، خاصة عند مقارنتها بالأرقام الرسمية السابقة التي كانت أقل بكثير، تكشف عن حجم الخسائر البشرية الهائل الذي تكبده الجيش الإسرائيلي. هذا يشير إلى أن الحرب في غزة أكثر تكلفة مما تم الإعلان عنه سابقاً، وأن جيش الاحتلال يواجه مقاومة عنيفة قادرة على تكبيده خسائر بشرية كبيرة في حال واصل حرب الإبادة.
- الدلالة الثانية: النسبة المرتفعة للإصابات النفسية (56% من الجرحى الجدد و38% من الإجمالي) تدل على الصدمة والضغوط النفسية الهائلة التي يتعرض لها الجنود الصهاينة. هذه الأرقام تشير إلى تحد كبير يتعلق بالصحة النفسية للجنود العائدين من القتال، وتداعياته طويلة المدى على المجتمع الإسرائيلي.
- الدلالة الثالثة: تتسبب الأرقام الضخمة للجرحى بضغط هائل على نظام إعادة التأهيل والرعاية الصحية في الكيان الصهيوني، وتستدعي تخصيص موارد ضخمة للتعامل مع هذه الحالات، مما يرفع كلفة الحرب.
- الدلالة الرابعة: يأتي الإعلان عن أرقام كهذه في سياق تقارير سابقة من وسائل إعلام إسرائيلية ومستشفيات كشفت عن تباين كبير بين الأرقام التي يعلنها جيش الاحتلال والأرقام الحقيقية للجرحى. هذا الإفصاح قد يكون محاولة لتقليص هذه الفجوة والتعامل مع الواقع بشفافية أكبر، وإن كان ذلك بعد فترة طويلة من التكتم.
ثانياً: توقيت الكشف عن هذه الأعداد الكبيرة للجرحى:
- من المحتمل أن يكون توقيت الكشف عن هذه الأرقام محاولة للضغط على الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً في ظل الخلافات الداخلية بشأن إدارة الحرب وضرورة وقفها، أو على الأقل تغيير استراتيجيتها. وقد يستخدم قسم إعادة التأهيل هذه الأرقام لإظهار حجم العبء الذي يواجهه، وللحصول على مزيد من الدعم والموارد.
- إن الإفصاح عن هذه الخسائر الكبيرة قد يكون أيضاً تمهيداً لاتخاذ قرارات صعبة، مثل وقف إطلاق النار أو صفقة تبادل أسرى. فإظهار الثمن الباهظ للحرب قد يجعل المزيد من الإسرائيليين أكثر استعداداً لإنهاء الحرب.
- بعد فترة من التكتم، قد يكون الإعلان عن هذه الأرقام جزءاً من استراتيجية جديدة لإدارة السردية الإعلامية، والتحكم في المعلومات التي تصل إلى الجمهور بدلاً من تركها تتسرب بشكل مجزأ من مصادر غير رسمية، مثل المستشفيات ووسائل الإعلام.
ثالثاً: تأثير الإعلان:
*على مستوى معنويات الجنود:
- قد يؤكد الإعلان عن هذه الأرقام للجنود الموجودين في الميدان أنهم ليسوا وحدهم من يعاني، وأن أعداد الإصابات أكبر مما كان يعلن عنه.
- قد يؤدي التناقض بين الأرقام المعلنة سابقاً والأرقام الجديدة إلى تراجع الثقة في القيادة العسكرية والسياسية التي أخفت الحجم الحقيقي للخسائر.
- معرفة أن عدداً كبيراً من الجنود الصهاينة يعانون من اضطرابات نفسية قد يزيد من الضغط النفسي على الجنود الحاليين، ويجعلهم يخشون على صحتهم العقلية في المستقبل.
*التأثير على عامة الإسرائيليين:
- من المتوقع أن تسبب الأرقام الكبيرة، خاصة إذا ما أضيفت إليها أرقام المصابين نفسياً، صدمة للجمهور الإسرائيلي الذي كان يعتقد أن ثمن الحرب أقل بكثير.
- إثارة المزيد من التساؤلات حول جدوى الحرب، فهذا الإفصاح قد يدفع الجمهور للتساؤل عن جدوى استمرار الحرب وتكاليفها البشرية، مما قد يغذي الاحتجاجات المطالبة بوقف الحرب وإعادة الأسرى.
- زيادة الانقسامات السياسية والاجتماعية الحادة، فالأرقام الجديدة قد تزيد من التوتر وتعمق الانقسامات بين المؤيدين للحرب والمطالبين بوقفها.
انطلاقاً مما تقدم، يمكن القول إن الكشف عن هذه الأرقام الكبيرة للجرحى والمصابين بالصدمات النفسية في صفوف الجنود الصهاينة، إنما يأتي في سياق ممارسة الضغط من قبل الجيش على حكومة نتنياهو للقبول بعقد صفقة لتبادل الأسرى وتنهي الحرب، وفي الوقت نفسه، يؤكد فعالية المقاومة ونجاحها في استنزاف جيش الاحتلال وإضعاف معنويات جنوده. (أخبار سوريا الوطن1-الكاتب)