تضاربت آراء السكان وأصحاب الأكشاك في مدينة حلب حول التعميم الصادر عن المحافظة، والذي ينص على منع بيع السجائر والأراكيل في الأكشاك والبقاليات. التعميم، الذي صدر في 9 أيلول الحالي، يقضي بمنع بيع السجائر والأراكيل في الأكشاك والأرصفة ومحلات البقالة، ويقتصر بيعها على المراكز المرخصة من وزارة الاقتصاد والصناعة، بهدف الحد من انتشارها بين الأطفال والشباب وحماية الصحة العامة.
أثار قرار المنع نقاشًا واسعًا في الشارع الحلبي، حيث يعتبر بيع السجائر مصدر دخل رئيسي للعديد من الأكشاك الصغيرة، التي تعاني أصلًا من محدودية مواردها وضعف الحركة الشرائية في الأسواق.
مصدر رزق مهدد
أعرب أصحاب الأكشاك والبسطات الذين تحدثت إليهم عنب بلدي عن اعتراضهم على القرار، معتبرين أنه يستهدف مورد رزقهم الأساسي. تعتمد الأكشاك عادة على مبيعات محدودة مثل القهوة السريعة والعصائر والسجائر، وتشكل الأخيرة النسبة الأكبر من دخلهم اليومي. وأشار عامر عزوز، صاحب كشك في حي الجميلية، إلى أن السجائر تمثل ما يقارب نصف مبيعاته اليومية، معتبرًا أن منعها سيؤدي إلى تراجع كبير في الدخل، بينما سيتمكن الشبان من الحصول على السجائر من مصادر أخرى. وأضاف أن الكشك قائم على البيع السريع، فالزبون يشتري قهوة مع علبة دخان، فإذا أزيل عنصر رئيسي مثل الدخان فسينخفض الإقبال كثيرًا.
وذكر حسين السليمان، بائع في حي الأعظيمة، أن معظم زبائنه هم من طلاب الجامعات والعمال الذين يقصدون الأكشاك لشراء احتياجاتهم اليومية بسرعة. وقال لعنب بلدي، إن القرار قد يضعف عمل الأكشاك لصالح المحلات الكبيرة المرخصة، والتي لا يفضلها الزبون عادة بسبب بعد المسافة على سبيل المثال. كما أشار محمود طحان، صاحب بقالية صغيرة في حي صلاح الدين، إلى أن بيع الدخان لا يقتصر على الجانب الربحي فقط، بل إنه يساهم في جذب الزبائن لشراء مواد أخرى. وأوضح أن زبون الدخان غالبًا يشتري معه بسكويت أو مشروب أو حاجيات صغيرة، وبالتالي منع بيع الدخان سيؤثر على حركة البيع كلها، وليس على صنف واحد فقط.
خطوة إيجابية مشروطة بالرقابة
في المقابل، رحب بعض السكان بالقرار معتبرين أنه خطوة مهمة للحد من ظاهرة التدخين المبكر بين الأطفال والمراهقين. وذكر مروان مصري، موظف سابق في قطاع الصحة، لعنب بلدي، أن القرار سيكون فعالًا إذا التزمت المراكز المرخصة بعدم بيع الدخان للقُصر. وأشار إلى أن القرار من الناحية الصحية سليم، إذ يمكن أن يسهم في تقليل سهولة الوصول إلى منتجات التبغ. لكنه شدد على أن نجاح القرار يتوقف على مدى الجدية في تطبيقه، لأن غياب الرقابة سيجعل الأطفال يجدون طرقًا أخرى للحصول على السجائر. وأشار إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في مكان البيع، بل في غياب الرقابة على الفئة العمرية للمشترين.
ورأى عصام حلاق، مدير أحد المقاهي في قلعة حلب، أن جوهر المسألة يكمن في الرقابة، معتبرًا أن أي قرار من هذا النوع يحتاج إلى آلية واضحة لمتابعة التزام المحلات بعدم البيع للقاصرين. وأوضح لعنب بلدي أن مقهاه يلتزم بمنع تقديم الأراكيل لمن هم دون 18 عامًا، داعيًا أصحاب المحلات الأخرى إلى الالتزام بالمعايير نفسها، لافتًا إلى أن وجود السجائر في كل بقالية أو كشك جعل من السهل على الأطفال الحصول عليها. وأضاف أن قصر بيعها على محلات محددة قد يخفف من الظاهرة. بالمقابل، رأى محمد يوسف (17 عامًا) أن القرار لن يمنع التدخين بين الشباب، قائلًا إن من يريد شراء السجائر سيجدها في المحلات المرخصة أو في السوق السوداء إذا لزم الأمر. لكنه أضاف أن منعها من الأكشاك قد يجعل الوصول إليها أصعب قليلًا بالنسبة للأطفال والمراهقين.
جدل بين حماية الصحة والمعيشة
الجدل حول القرار يعكس توازنًا صعبًا بين الجوانب الصحية والاقتصادية. فمن جهة، ترى الجهات الرسمية أن الحد من انتشار التبغ ضرورة لحماية الفئات العمرية الصغيرة. ومن جهة أخرى، يعتبر أصحاب الأكشاك أن القرار يفاقم أوضاعهم المعيشية المتردية أساسًا. أوضح المكتب الصحفي في محافظة حلب لعنب بلدي أن القرار صدر بالفعل، لكن التعليمات التنفيذية المتعلقة به ما زالت غير واضحة حتى الآن، مشيرًا إلى أن آلية التطبيق ستحدد تباعًا. وبحسب المكتب، ستعتمد المحافظة في متابعة تنفيذ القرار على الضابطة الشرطية والضابطة التموينية، إلى جانب فريق متابعة تابع للمحافظة يتكفل بمتابعة المخالفات. وأكد أن حملات مركزة تنفذ في مختلف أحياء حلب لضبط المخالفات بمختلف المجالات، وأن قضية التبغ ستدرج ضمن هذه الحملات.
وحول مخاوف أصحاب الأكشاك والبقاليات من تضرر مصادر دخلهم، اعتبر المكتب أن بيع السجائر والأراكيل ليس مصدر الدخل الرئيسي لهذه المحلات، بل يعد جزءًا من مبيعات الميني ماركت أو البقالية الصغيرة. وأوضح أن إيقاف بيعها في هذه الأماكن لن يؤثر بشكل كبير على دخل أصحابها، خاصة أن البيع سيقتصر على محلات محددة حاصلة على تراخيص نظامية. أما فيما يتعلق بإمكانية فرض ضوابط على أسعار السجائر في المراكز المرخصة، لتجنب استغلال المستهلكين بعد تقليص أماكن البيع، أشار المكتب إلى أنه لا توجد تسعيرة محددة لمنتجات التبغ أصلًا، وإنما تحدد أسعارها وفقًا لآلية العرض والطلب والتنافسية في السوق، شأنها شأن باقي السلع.
وكان محافظ حلب، عزام الغريب، أصدر تعميمًا في 9 أيلول الحالي يقضي بمنع بيع السجائر والأراكيل في الأكشاك والأرصفة ومحلات البقالة. وحصر القرار بيعها في المراكز المرخصة من وزارة الاقتصاد والصناعة. ويهدف القرار، بحسب المحافظة، إلى الحد من انتشار التدخين بين الأطفال والشباب وحماية الصحة العامة. وفي اجتماع المحافظة في 13 من أيلول الحالي، والذي خصص لمراجعة نتائج الحملات المركزة التي نفذتها المحافظة، أكد الغريب أن قرار المنع يندرج ضمن الجهود الرامية لتعزيز الواقع الصحي في المدينة. ووجه بتكثيف الرقابة وضمان التطبيق الصارم للمنع، وذلك بحسب ما أعلنته المحافظة عبر صفحتها على فيسبوك.