كشف تقرير جديد صادر عن موقع “الخنادق” للدراسات الإستراتيجية عن الدور الذي لعبه الذكاء الاصطناعي في حرب إسرائيل الأخيرة ضد لبنان. وأشار التقرير إلى أن ساحة المعركة تحولت إلى نظام متكامل لجمع البيانات وتصنيف البشر والهياكل، وتوليد الضربات بشكل صناعي، مع اعتماد السرعة والكمية كمعيارين للنجاح على حساب التأكد الإنساني والتمييز القانوني. هذا التحول يهدد الأمن الإقليمي ويطرح إشكاليات أخلاقية وقانونية جسيمة تتطلب المواجهة على المستويين الاستراتيجي والعملي.
يشرح التقرير كيفية عمل منظومات الذكاء الاصطناعي في الحرب على لبنان، موضحاً أن العمود الفقري لهذا التحول هو تكامل منصات متعددة، منها:
- أنظمة تصنيف الأفراد “لافندر”: نظام توصية يعطي كل شخص درجة احتمال (1-100) بأنه مسلح، ويحول العتبة النقطية إلى توصية استهداف. وقد استخدم خلال حرب سابقة لإنتاج قوائم واسعة من الأهداف، وهو نفس المنطق الذي طبق ضد أهداف في لبنان لتحديد المسؤولين وتفجير نقاط تمثل قيمة أمنية.
- منصات هيكلية “حبسورا/الإنجيل”: تحلل صور الأقمار والطائرات المسيرة لتوليد أهداف بنيوية، من مخازن إلى أبراج سكنية، وتقترحها كأهداف عملية. هذا التحليل سمح بتوسيع مفهوم “الهدف العسكري” ليشمل منشآت مدنية.
- توقيت الضربات “أين أبي؟”: يدمج بيانات تتبع الهواتف مع قواعد عناوين لينبه متى يدخل الهدف منزله، مما سهل ضرب المنازل ليلاً مع ارتفاع مخاطر سقوط أسر بأكملها.
- شبكات المراقبة البيومترية – أنظمة “الذئب”: كاميرات ونظم تحميل صور تغذي قواعد بيانات ضخمة، فتحول كل فرد إلى “بصمة رقمية” قابلة للبحث والربط عبر خوارزميات الشبكات الاجتماعية الاستخبارية.
- مصانع القصف – “مصنع النار” وأنظمة التخطيط المؤتمتة: تحول توصيات الاستهداف إلى خطط تكتيكية (كمية الذخيرة، جدولة الطائرات، طريقة التنفيذ) في دقائق بدل ساعات. هذا الاختصار الزمني يضغط ليلغي فعلياً مراجعات الضمان البشري.
وأوضح التقرير أنه نتيجة لتكامل هذه الأنظمة، كانت الحرب سريعة الوتيرة وعالية الكثافة وقابلة للتكرار على نطاق واسع، ولكنها أيضاً أقل تمييزاً وأكثر عرضة للأخطاء الجماعية المدمرة.
وتحدث التقرير عن آثار محددة على المعركة ضد لبنان، وهي:
- توسع بنك الأهداف وانحسار التمييز: ما كان يعتبر عناصر قيادية أو أهدافاً محددة صار يوسع إلى آلاف الأسماء وبنى تحت عتبة “الاحتمال”، مما أدى إلى زيادة في الضربات الاستباقية والاغتيالات الدقيقة التي لم تراع دائماً ظروف الحيز المدني.
- إضعاف دور المراجعة البشرية: المراجعات المختصرة (ثوان معدودة) حول توصيات الذكاء الاصطناعي تحول “فريق الإنسان والآلة” إلى ختم شكلي، مما يرفع مسؤولية الخطأ الجماعي ويقلل المساءلة الأخلاقية.
- الحرب النفسية والمعرفية: إلى جانب الضربات المادية، تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي للتزييف العميق وتحليل المشاعر وتوجيه رسائل مخصصة تهدف لإضعاف الروح المعنوية أو خلق انقسام داخلي، مما يحول الساحة الإعلامية إلى جبهة قتال ثانية.
- تصاعد الأخطاء الإحصائية: اعتماد معايير قبول “هامش خطأ” إحصائي (مثلاً قبول معدل خطأ ~10% كنفقات مقبولة) يجعل من الخسائر المدنية “تكلفة” مقبولة ضمن ميزانية العمليات، وهو تحول أخلاقي وقانوني خطير.
وتطرق التقرير في الختام إلى خطوات للحماية الرقمية، وشرحها على النحو التالي:
- تقليل البصمة الإلكترونية: تجنب مشاركة المعلومات الشخصية أو الصور أو المواقع الجغرافية عبر الإنترنت أو التطبيقات غير الموثوقة.
- إدارة الأجهزة الذكية: تعطيل خاصية تحديد الموقع (GPS) إلا عند الحاجة القصوى، وتجنب حمل الهواتف إلى الأماكن الحساسة أو التجمعات.
- التطبيقات المشبوهة: الامتناع عن تنزيل تطبيقات غير معروفة قد تجمع بيانات وترسلها إلى خوادم معادية.
- تغيير الروتين الرقمي: استخدام شبكات آمنة، وتغيير كلمات المرور دورياً، وعدم استخدام حسابات عامة لمراسلات خاصة.
- الوعي بالكاميرات: افترض أن هناك مراقبة مستمرة عبر الطائرات المسيرة والكاميرات الذكية، وتجنب الحركات أو التجمعات التي قد تفسر عسكرياً.
- إدارة الحركة: لا تعتمد دائماً مسارات ثابتة للتنقل، فالتكرار يسهل على الأنظمة الخوارزمية التعرف على النمط.
- تجنب التجمعات غير الضرورية: كلما قلت الكثافة البشرية في مكان ما، صعب على الخوارزميات تبريره كهدف “ذي قيمة”.
- الوعي الجماعي: نشر ثقافة الحذر في استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً بين الشباب.
- تجنب الإفصاح عن علاقات شخصية أو عائلية: الخوارزميات تربط العلاقات لتحديد شبكات اجتماعية، مما قد يوسع دائرة الاستهداف.
- مقاومة التضليل: التحقق من الأخبار والرسائل قبل تداولها، إذ قد يستخدم العدو الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى زائف (Deepfake) لتفكيك الثقة المجتمعية.