الأربعاء, 24 سبتمبر 2025 05:04 PM

كفرانطون بريف حلب: عودة مشوبة بالمرارة في ظل غياب الخدمات الأساسية

كفرانطون بريف حلب: عودة مشوبة بالمرارة في ظل غياب الخدمات الأساسية

تقف قرية كفرانطون، الواقعة على أطراف ريف حلب الشمالي، كشاهد على سنوات طويلة من النزاع والتهجير. وبسبب موقعها القريب من مطار منغ العسكري، كانت القرية عرضة مباشرة للقصف والاشتباكات منذ عام 2012، مما تسبب في موجات نزوح متكررة أرهقت سكانها وشتتت عائلاتها.

بعد تحرير المطار من قبل فصائل المعارضة، عاد جزء من الأهالي، لكن سرعان ما أجبرتهم سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عام 2015 على النزوح مرة أخرى نحو مخيمات ريف أعزاز. ومنذ ذلك الحين وحتى سقوط النظام في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ظلت القرية خارج أي خطط خدمية أو إنمائية، لتتحول إلى مساحة شبه خالية من مقومات الحياة.

اليوم، وعلى الرغم من العودة المحدودة لبعض السكان، فإن عدد الأهالي المقيمين يُقدر، وفقًا للمجلس المحلي، بنحو 200 نسمة فقط، يواجهون واقعًا قاسيًا يتمثل في غياب الخدمات الأساسية.

شهادات الأهالي

حسن أبو محمد، الذي عاد إلى قريته بعد تسع سنوات من النزوح، يصف شعور العودة لمنصة سوريا 24 قائلًا: "العودة بعد سقوط النظام لا يمكن وصفها، كأنني وُلدت من جديد"، وأنه لم يخطر بباله أن يدخل منزله مرة أخرى بعد أن احتله أحد ضباط نظام الأسد. ويضيف أنه اليوم يحاول أن يعيد إلى بيته روحه شيئًا فشيئًا؛ يرمم الجدران التي هشّمتها القذائف، ويزيل آثار العبث الذي تركه الجنود خلفهم في الأثاث، في محاولة لاستعادة ملامح بيت كان شاهدًا على غيابه الطويل.

أما أنس العلي، فيستعيد سنوات المعاناة قائلًا إن القصف، الذي بدأ عام 2012، أجبر الأهالي على مغادرة بيوتهم مرارًا. عادوا بعد تحرير مطار منغ على أمل الاستقرار، لكن فرحتهم لم تكتمل، فمع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عام 2015، وجدوا أنفسهم مجبرين على النزوح من جديد نحو مخيمات ريف أعزاز. يضيف أنس بحسرة: "كنا نحو 120 عائلة، واليوم لم يعد سوى عشر فقط. بيوتنا لم تسلم، فـ25 منزلًا متضررًا بشكل جزئي، و8 مدمرة بالكامل.. لا مدارس حقيقية، ولا مركز صحي، وحتى الزراعة التي كنا نعتمد عليها صارت محدودة بسبب شح المياه".

الزراعة ومعاناة الفلاحين

تعتمد القرية تقليديًا على زراعة القمح والشعير والبقوليات، لكن الجفاف وارتفاع أسعار البذار والأسمدة قلّصا الإنتاج إلى الحد الأدنى. ووفق شهادات الأهالي، فإن غياب أي دعم رسمي أو إنساني جعل المزارعين يواصلون العمل بموارد ضئيلة لا تكفي لتأمين احتياجاتهم.

موقف المجلس المحلي

يؤكد خالد العلي، القائم بأعمال المجلس البلدي لمنصة سوريا 24، أن كفرانطون لم تشهد، منذ اندلاع الثورة، أي مشاريع خدمية أو إنمائية، مشيرًا إلى أن شبكة الكهرباء مدمَّرة بالكامل نتيجة القصف والسرقات، فيما يعتمد الأهالي على شراء خزانات المياه لغياب أي بئر يخدم القرية. ويضيف أن التعليم يقتصر على مدرسة واحدة، عبارة عن صفوف تجميعية تفتقر إلى المقاعد والمستلزمات، ولا تتلقى أي دعم سوى إشراف مديرية التربية. أما القطاع الصحي، فحسب القائم بأعمال المجلس المحلي، فيغيب تمامًا، باستثناء زيارة شهرية للهلال الأحمر.

وأوضح العلي في ختام حديثه أن المجلس رفع عدة مطالب لتأمين الخدمات، لكن الاستجابة ما زالت غائبة، فيما يظل تماسك المجتمع المحلي هو العنصر الأبرز في مواجهة الظروف.

كفرانطون تُعدّ نموذجًا لمعاناة المناطق الريفية السورية التي عاشت تبدّل السيطرة وتراكم آثار الحرب. عودة الأهالي تحققت شكلًا، لكنها تبقى ناقصة مضمونًا، إذ يظل غياب الماء والكهرباء والتعليم والصحة عقبة أمام استقرار السكان واستمرارهم في أرضهم. وما لم تتحرك الجهات الرسمية والمنظمات لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات، ستبقى القرية عالقة بين العودة والرحيل، ولسان حال الكثير منهم يقول: "أعينونا على العودة إلى ديارنا بكرامة".

مشاركة المقال: