لم تعد دبي، جوهرة الخليج، مجرد مقصد سياحي، بل تحولت إلى مركز استثماري عقاري يتفوق على كبرى العواصم العالمية. ففي النصف الأول من عام 2025، استمر سوق دبي العقاري في النمو بثبات، وذلك بفضل العوائد الإيجارية المرتفعة مقارنة بالمدن الكبرى، والتوسع السكاني المستمر، والبنية التنظيمية والتشغيلية التي تسهل عملية التملك والتأجير.
أوضح أحمد عزام، رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة "إكويتي"، الفارق بين دبي والعواصم الكبرى قائلاً: "بالمقارنة مع عواصم مثل لندن ونيويورك وسنغافورة، حيث تقتطع الضرائب جزءاً كبيراً من العائد، تبرز دبي كوجهة جاذبة. تتراوح العوائد هنا بين 6 و8% مقابل 2 إلى 4% هناك، مع غياب ضريبة الأملاك وضريبة الأرباح الرأسمالية، وإمكانية التملك الحر في مناطق مرغوبة".
وفي سياق الحديث عن التنويع الاقتصادي، أضاف عزام: "يكمن السر في أن دبي لا تعتمد على قطاع واحد فقط. يتوزع اقتصاد المدينة بين المال والأعمال، السياحة والضيافة، التكنولوجيا والرعاية الصحية، والتعليم والفعاليات. هذا التنويع يخلق طلباً سكنياً مستمراً لا يعتمد على موسم محدد".
وعن الدور التنظيمي، أوضح عزام: "تعتبر الوصفة التنظيمية أيضاً مهمة، حيث تشمل تملكاً حراً في مناطق رئيسية، وعقوداً مؤتمتة، وقضاءً عقارياً سريعاً، ورسوماً مبسطة. ما تستهلكه الضرائب في مدن مثل لندن ونيويورك يبقى هنا صافياً لمالك العقار، والنتيجة واضحة: عوائد إيجارية متوسطة تتراوح بين 6 و8% مقابل 2 إلى 4% في تلك العواصم".
وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار عزام إلى أن "كل دقيقة يوفرها المترو وكل خدمة تقدمها الحكومة الذكية ترفع استعداد المستأجر للدفع وتقلص زمن الشغور، مما يعزز سرعة التأجير واستقرار الدفعات، ويمنح المالك القدرة على تثبيت سعر أعلى دون خسارة المستأجر الجيد".
وبالنسبة لتوسع المعروض، قال عزام: "يتوسع السوق بعقلانية. يتم التسليم على موجات، لا دفعة واحدة، ويرتبط كل حي جديد بالخدمات الفعلية قبل تسليم المفاتيح. الطلب متنوع بين عقود طويلة للعائلات والمهنيين، وأخرى قصيرة للمستأجرين المؤقتين أو السياح. حين يزداد العرض في حي معين، لا ينهار السعر، بل يتحول الطلب نحو وحدات مدروسة تمويلياً وتشغيلياً".
وعن أثر الضرائب، أضاف عزام: "غياب ضريبة الأملاك والأرباح الرأسمالية يضاعف أثر كل درهم إيجار ويحول العائد الإجمالي إلى صاف مقنع بعد الصيانة والإدارة. أي تعديل في السياسات يتم تدريجياً مع تعويضات تمويلية أو تشغيلية تحافظ على جاذبية المدينة لرأس المال العالمي".
وبخصوص المخاطر، قال عزام: "السوق ليس بلا مخاطر، لكن الفارق هنا يكمن في الإدارة المبكرة. صدمة المعروض تدار باختيار مواقع ذات طلب مرتفع ومراقبة الإشغال أسبوعياً، وكلفة التمويل تدار بحسابات دقيقة، والمخاطر التشغيلية تعالج عبر مزود إدارة موثوق وصيانة وقائية".
وأضاف عزام: "إدارة المخاطر ليست بنداً لاحقاً، بل شرط أساسي لدخول السوق. إن من يضبط المعروض، والدين، والتشغيل، يشتري طمأنينة العائد قبل شراء العقار".
وحول دور البيانات، أشار عزام: "أصبحت البيانات لغة السوق: المستثمر لا يشتري عنواناً فقط، بل سلسلة قياسات تشمل زمن التسويق، معدلات الشغور، متوسط عمر المستأجر، صافي العائد بعد الصيانة، وسلوك الإيجارات عبر المواسم. هذه المعلومات تنتج تسعيراً أدق وفرزاً صارماً للجودة، وأفقاً أطول عند اتخاذ القرار".
وعن المستقبل، قال عزام: "ما دامت ديناميكية السكان إيجابية وسياسات العرض منضبطة، والضرائب منخفضة، والبنية التحتية تتطور، فإن الميل الأساسي داعم للعائد. التباينات بين الأحياء ليست علامة تعب، بل خريطة انتقاء: السوق يكافئ من يعرف متى يشتري في الحي الصاعد ومتى يمسك بالوحدة التي تولد نقداً بلا ضجيج".
وختم عزام حديثه بالقول: "تفوق دبي في العوائد ليس انفعال سوق، بل نتيجة استراتيجية تسعر الوقت واليقين: وقت تنقذه البنية، يقين تصنعه القوانين، وعائد يحفظه غياب الأعباء الضريبية. من يعرف أن الدقيقة في دبي أصل مالي، سيقرأ الأحياء كما يقرأ خرائط المترو: خط يفتح مدينة، ومحطة تفتح عائداً".
ويبقى السؤال مفتوحاً للقارئ والمستثمر معاً: هل نطيل أفقنا بقدر ما تطيل المدينة أفق خدماتها؟ إن حدث ذلك، فسيظل الحجر هنا لا يشيد فقط… بل يؤجر الزمن من خلاله.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار