الإثنين, 29 سبتمبر 2025 12:05 PM

تصاعد التوتر: خروقات روسية تقلق الناتو ودعم أمريكي مشروط يثير التساؤلات

تصاعد التوتر: خروقات روسية تقلق الناتو ودعم أمريكي مشروط يثير التساؤلات

منذ بداية الشهر الجاري، توالت الأخبار عن طائرات مسيرة وصواريخ روسية تخترق الأجواء التابعة لدول أعضاء في "حلف شمال الأطلسي" والاتحاد الأوروبي، مما ينذر بتصعيد خطير في القارة الأوروبية. ففي العاشر من سبتمبر، ذكرت وسائل إعلام غربية أن ما لا يقل عن 19 طائرة مسيرة روسية اخترقت المجال الجوي البولندي، قبل أن تعترضها طائرات مقاتلة هولندية وبولندية، وهي المرة الأولى التي يسقط فيها "حلف شمال الأطلسي" طائرات روسية فوق أراضيه. وبعد يومين، أعلن "الحلف" عن إطلاق "عملية الحارس الشرقي"، وهي مبادرة تهدف إلى الرد على التوغلات الروسية المتزايدة.

وفي وقت لاحق، أرسلت إيطاليا وألمانيا والسويد في التاسع عشر من سبتمبر مقاتلات ضد ثلاث طائرات مقاتلة روسية من طراز "ميغ -31"، بعد أن اخترقت الأخيرة المجال الجوي الإستوني. وفي الحادي والعشرين من الشهر نفسه، اعترضت المقاتلات الألمانية والسويدية طائرة استطلاع روسية في المجال الجوي المحايد فوق بحر البلطيق، وفقاً للمصادر نفسها.

تزامن هذا التصعيد بين موسكو وعواصم "الناتو" مع ما وصفه مراقبون بـ"استدارة" جديدة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي كان يلمح إلى أن كييف ستضطر إلى التنازل عن الأراضي التي سيطرت عليها موسكو، قبل أن يؤكد أخيراً أن الأولى قادرة على استعادة أراضيها كافة، مما دفع بعض المراقبين، خاصة في روسيا، إلى ترجيح أن يكون الخطاب الصادر في العواصم الأوروبية والموجه ضد "الاعتداءات الروسية" يهدف إلى إقناع ترامب بتكثيف الضغوط على موسكو. ومع ذلك، يبدو أن هذه المحاولات الأوروبية، على الرغم من التغيير في خطاب ترامب، لا تزال غير ناجحة.

رداً على المزاعم الغربية بشأن اختراق المجالات الجوية الأوروبية، أكد وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، عقب اختتام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن "موسكو لا تطلق أبداً طائرات مسيرة أو صواريخ على أراضي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (وحلف شمال الأطلسي)، ولا تهاجم أهدافاً مدنية، ولا توجه أصولاً ضاربة ضد الدول الأوروبية وحلفاء التحالف"، محذراً من أن أي ردود من جانب الولايات المتحدة أو "حلف شمال الأطلسي" يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على أمن الدول الأعضاء في الحلف.

وعقب حديث بولندا عن دخول أجسام روسية إلى مجالها الجوي، أوضحت وزارة الدفاع الروسية أن الهجوم استهدف الصناعات الدفاعية الأوكرانية في مناطق إيفانو – فرانكيفسك وخميلنيتسكي وجيتومير، بالإضافة إلى مدينتي فينيتسا ولفيف، مضيفةً أنه "لم يتم التخطيط لأي أهداف على الأراضي البولندية"، وأن "الحد الأقصى لمدى الطائرات الروسية المسيرة التي يُزعم أنها تعبر إلى بولندا لا يتجاوز الـ700 كيلومتر". وبالفعل، كانت وكالة "أسوشييتد برس" قد أفادت بأنه تم العثور على إحدى الطائرات المسيرة التي قيل إنها دخلت بولندا، في منيشكو، وهي قرية تقع على بعد حوالى 260 كيلومتراً من الحدود البيلاروسية، أي ضمن النطاق الذي ذكرته موسكو.

كذلك، نشرت وكالة "تاس" الروسية للأنباء، نقلاً عن بيان صادر عن وزارة الدفاع الرومانية، أن "السلطات العسكرية الأوكرانية أبلغت السلطات العسكرية الرومانية أنه في حوالى الساعة 7:30 صباحاً، أصاب صاروخ روسي منطقة تشيرنوفتسي بأوكرانيا، بعدما عبر المجال الجوي لجمهورية مولدوفا وبقي في المجال الجوي لرومانيا لمدة دقيقتين تقريباً"، قبل أن يردف البيان أنه "استناداً إلى بيانات المراقبة الخاصة بأنظمة المراقبة الجوية الرومانية والبيانات المقدمة من دول (الناتو)، والتي تكمل المراقبة في منطقة مسؤولية رومانيا، لم يتم تأكيد عبور الصاروخ المجال الجوي الروماني". وعليه، تعزو موسكو الحديث الأوروبي عن خروقات روسية إلى رغبة تلك الدول في "تأجيج" الصراع بدلاً من تهدئته.

على أي حال، يرجح البعض أن تكون "الممارسات" الروسية قد دفعت ترامب إلى تبديل موقفه في الملف الروسي – الأوكراني، بعدما أكد، في الـ23 من سبتمبر، عبر منشور على منصته "تروث سوشال"، أن أوكرانيا، بدعم من الاتحاد الأوروبي، "قادرة على استعادة كامل أراضيها"، وسخر من روسيا بوصفها "نمراً من ورق"، مؤيِداً حتى إسقاط الطائرات الروسية التي تدخل أجواء "الناتو"، ما أثار صدمة واسعة في أوساط المراقبين.

إلا أنه طبقاً لتقرير أوردته مجلة "فورين بوليسي"، من بين آراء أخرى، فإن منشور ترامب أشار أيضاً إلى نوع من ابتعاد الولايات المتحدة عن "الحلف"؛ إذ صوّر ساكن البيت الأبيض "الناتو" كزبون يتلقى السلاح بدلاً من كونه تحالفاً تقوده واشنطن، فيما جاءت كلماته الختامية كـ"وداع بارد"، مفاده: "اعتنوا بأنفسكم، وخوضوا حرباً جيدة". كذلك، وفي مؤتمر صحافي في نيويورك، قال ترامب إن دعم الولايات المتحدة للحلفاء في "الناتو" في حال أسقطوا طائرات روسية "يعتمد على الظروف"، ما أثار شكوكاً حول التزام واشنطن بمبدأ الدفاع الجماعي للحلف. كما رهن تشديد العقوبات الأميركية على روسيا بوقف أوروبا شراء الطاقة الروسية وفرض رسوم جمركية عالية على الصين.

يُضاف إلى ذلك، عدم "ظهور" أي طائرة أميركية في الأجواء، بعدما "رفضت" واشنطن المشاركة في عملية "الحارس الشرقي". ورغم تأكيد الجنرال الأميركي، أليكسوس جي. غرينكيفيتش، القائد الأعلى للقوات المسلحة في "الناتو"، التزام واشنطن بالحلف، قائلاً إنه "في ما يتعلق بالأصول العسكرية الأميركية… أنا هنا، وأنا منخرط"، مؤكداً بعد ذلك أن الولايات المتحدة "تظل ملتزمة بالتحالف"، فقد كشفت تصريحاته عن حقيقة أعمق: أوروبا باتت مضطرة إلى مواجهة الاستفزازات الروسية وحدها، بينما يبقى الدعم الأميركي مشروطاً، بحسب المصدر نفسه.

وفي حين أن النقاش الأوروبي حول الحاجة إلى "الاستقلالية الإستراتيجية" عن الولايات المتحدة قديم قِدم الحلف نفسه، فإن "حرب أوكرانيا وتصاعد العدوانية الروسية" جعلاه أكثر إلحاحاً. ورغم أن "الناتو" رد بحزم على الاختراقات الروسية الأخيرة، إلا أن الأحداث كشفت عن نقاط ضعف خطيرة داخله، خاصة لناحية قدرته المحدودة على مواجهة أسراب الطائرات المسيّرة الرخيصة باستخدام صواريخ باهظة تُطلق من مقاتلات متطورة.

ويأتي كلّ ما تقدّم في وقت لا تزال أوروبا تعتمد فيه بشكل كبير على الولايات المتحدة في مجالات الاستخبارات، والأقمار الصناعية والتكنولوجيا الفضائية، ونقل القوات، والحرب السيبرانية، وأنظمة الدفاع الجوي المتطورة مثل "باتريوت". وفي هذا الإطار، يحذّر خبراء من أن القارة غير مستعدة للدفاع عن نفسها، وأن التحديات الماثلة أمامها تتجاوز مسألة المعدات لتشمل البيروقراطية، والانقسامات السياسية، وتفكك الصناعة الدفاعية، بحسب "فورين بوليسي" أيضاً.

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: