الخميس, 2 أكتوبر 2025 08:54 PM

قرار "الإدارة الذاتية" بإغلاق المدارس المسيحية في القامشلي يثير قلقًا على الهوية والتراث

قرار "الإدارة الذاتية" بإغلاق المدارس المسيحية في القامشلي يثير قلقًا على الهوية والتراث

أثار قرار "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا بإغلاق المدارس المسيحية في القامشلي استياءً وقلقًا واسعًا لدى المكونات المسيحية من الأرمن والسريان والكلدان والآشوريين. ويرى المسيحيون في هذا القرار تعديًا على هويتهم الثقافية والدينية وحقهم في التعليم الخاص، مما قد يقوض البنية الاجتماعية للمجتمع المسيحي ويزيد من الهجرة القسرية.

طالب أبناء الديانة المسيحية "الإدارة الذاتية" بالتراجع عن هذه القرارات، مؤكدين أن مطالبهم تستند إلى حقوق إنسانية ودستورية وليست امتيازات طائفية. وشملت قرارات الإغلاق مدارس وكليات خاصة مثل مدرسة مار قرياقس (السريان الأرثوذكس)، ومدرسة السلام (الأرمن الكاثوليك)، ومدرسة ميسلون (البروتستانت)، ومدرسة فارس الخوري (الآشوريين)، ومدرسة الاتحاد (الأرمن الأرثوذكس)، ومدرسة الأمل بالحسكة التابعة للكنيسة السريانية الأرثوذكسية.

إغلاق يخلق أزمة تعليمية

يزيد قرار إغلاق المدارس المسيحية من معاناة الطلاب الذين يوصفون بـ "جيل الحرب". فبعد سنوات من عدم الاستقرار والصراعات، يواجه الأهالي والطلاب انقطاعًا جديدًا في العملية التعليمية.

أكد متضررون من أبناء الديانة المسيحية في القامشلي أن هذا القرار سيؤثر على مستقبل هذا الجيل، ويزيد من نسبة الجهل ويصعب تأقلم الطلاب مع الحياة الطبيعية، محذرين من نشوء جيل غير مستقر تعليميًا.

أوضح مصدر مسؤول في المجلس الاجتماعي الأرمني، فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن هذه المدارس لم تكن تستخدم مناهج "غربية"، بل تعتمد على مناهج الدولة السورية الرسمية، مع إضافة مواد تعزز الهوية الثقافية والدينية للمكون، مثل اللغة الأرمنية وحصة التربية الدينية باللغة الأم. وأضاف أن إغلاق هذه المدارس يهدد استمرارية تعليم التربية الدينية المسيحية للأجيال الجديدة، ويخشى المسيحيون أن يفقد أبناؤهم الصلة بالكنيسة واللغة الطقسية ومعاني الإيمان.

المدارس.. حصن الهوية والتاريخ

أوضحت ميران خليل، معلمة في إحدى كنائس القامشلي، أن للمدارس دورًا محوريًا كحصن للهوية الدينية والثقافية للمجتمع المسيحي، وأن إضافة كتب التربية المسيحية جزء أساسي من المنهاج لغرس القيم الروحية والإنسانية المستمدة من الإيمان المسيحي في نفوس الطلبة. وأشارت إلى أن هذه المدارس كانت مساحة آمنة لممارسة الطقوس الدينية وتعزيز ارتباط الجيل الجديد بإيمانه ولغته، والحفاظ على اللغة الأم في المدارس الأرمنية.

أثر القرار

يمتد الأثر السلبي للقرار ليشمل الجانب المعيشي والاجتماعي للعاملين والإداريين في المدارس. وأشارت لمى رياقس، إحدى المتضررات، إلى أن قرار الإغلاق يهدد الموظفين بفقدان وظائفهم ومصادر دخلهم، ويضيع سنوات من الخبرة المهنية المتراكمة.

وقال غزوان يعقوب، أب لطفلين، إنه لا توجد مبادرات مجتمعية أو كنيسية بديلة لتعويض هذا الانقطاع التعليمي والديني، مما يعني أن المجتمع المسيحي في القامشلي يواجه مرحلة غير مسبوقة من انقطاع التعليم الديني واللغوي.

تفكيك البنية المجتمعية

أكد المعلم عيسى شليمون أن الخطر الأكبر يكمن في الأثر العميق على البنية المجتمعية والتكافل الداخلي للمجتمع المسيحي، حيث كانت هذه المدارس أحد الأعمدة الأساسية التي بني عليها النسيج المجتمعي المسيحي. وأضاف أن إغلاقها يهدد نسيجًا مجتمعيًا متكاملًا، وقد يؤدي إلى تسريع وتيرة الهجرة ونزوح المسيحيين من القامشلي.

أصدرت جهات مسيحية في محافظة الحسكة بيانات احتجاج على قرار "الإدارة الذاتية" بإغلاق المدارس المسيحية. وناشد راعي أبرشية الجزيرة لكنيسة الاتحاد المسيحي، القس الدكتور نعيم يوسف، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، بالتدخل لإلغاء قرار فرض مناهج "الإدارة الذاتية" على المدارس.

يعد شمال شرقي سوريا منطقة ذات تنوع ديني وعرقي، يضم مسيحيين من طوائف السريان والأرمن والكلدان، إضافة إلى مسلمين وإيزيديين وأقليات أخرى، وعرب وكرد. وتسعى "الإدارة الذاتية" إلى تنظيم شؤون المنطقة وإدارة هذا التنوع، لكن بعض الإجراءات أثارت انتقادات، مثل إغلاق مدارس خاصة للطوائف المسيحية، واعتبره البعض تقييدًا للحقوق التعليمية والدينية. ويواجه سكان المنطقة تحديات أمنية وسياسية تؤثر على التعايش، إضافة إلى مخاوف بعض الطوائف والأعراق من عدم تمثيلها بشكل كافٍ في القرار المحلي.

مشاركة المقال: