يدفع الخوف من التقاعد، والشعور بالعزلة، وفقدان الهوية الاجتماعية والمهنية، العديد من كبار السن إلى تمديد خدمتهم في الوظيفة. يهدفون بذلك إلى ملء الفراغ، والتسلية، وتجنب العزلة، بالإضافة إلى تحسين الدخل المادي، نظرًا لانخفاض الراتب بعد التقاعد.
يقول محمد، البالغ من العمر 59 عامًا: "أفكر في تمديد خدمتي لمدة ستة أشهر على الأقل، لأنني لن أستطيع الجلوس في المنزل دون عمل بعد أن قضيت شبابي كله في الوظيفة. ومن الصعب إيجاد عمل في القطاع الخاص، لأنهم يفضلون الشباب رغم خبرة كبار السن."
وتقول هند إنها السنة الرابعة التي تمدد خدمتها في إحدى مؤسسات القطاع العام، لأنها ترغب في قضاء وقت ممتع مع زميلاتها في العمل، بدلًا من الملل في المنزل. كما أنها تتقاضى راتبين: راتب تقاعدي، وفرق الراتب بموجب عقد عمل جديد.
ترى الاختصاصية النفسية روان شاكر، في تصريح لـ"الحرية"، أن مخاوف المتقاعد الرجل تختلف عن مخاوف المرأة. يخشى الرجل، خاصة إذا كان في موقع إداري متقدم، فقدان جزء من هويته كمدير، وفقدان العلاقات الاجتماعية مع زملاء العمل، ما يسبب شعورًا بالارتباك والحزن. إضافة إلى ذلك، يعاني من الملل والفراغ، نتيجة اعتياده على نظام معين في حياته يختفي بعد التقاعد، ما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية. وقد يشعر المتقاعد بالوحدة بعد أن يصبح أقل تفاعلاً مع الآخرين، خاصة مع تقدم العمر وفقدان الأحبة.
تبين الاختصاصية الاجتماعية سوسن السهلي أن التقاعد جزء طبيعي من دورة الحياة، والاستمرار في العمل بشكل مبالغ فيه يخالف هذه الطبيعة. وتضيف أن التقاعد ليس نهاية لمسيرة العمل، وإنما عبور هادئ من زمن إلى زمن الاختيار. وتلفت إلى أن البعض يرى في التقاعد نهاية مؤلمة وعزلة ومللًا وعوزًا ماديًا، بينما يراه آخرون بداية لحياة جديدة تسودها حرية الوقت والفكر، واكتشاف ما لم يكن ممكنًا اكتشافه في زحمة الالتزامات وضجيج التكاليف، والتفرغ للعائلة والأصدقاء والحياة الاجتماعية التي فقدها خلال العمل وضغوطاته. كما يمكن الانخراط في الأعمال التطوعية التي تمنح المتقاعد شعورًا بالانتماء والعطاء، وهي فرصة للمساهمة في المجتمع بطرق جديدة.
وتشدد على أهمية الاهتمام بالصحة والحفاظ على الصحة البدنية والعقلية، ما يساعد على الاستمتاع بالحياة وعدم التركيز على سلبيات التقاعد.
وأوضحت السهلي أن التمسك بالوظيفة له تأثير سلبي على الصحة، إذ يمكن أن يؤدي إلى إرهاق جسدي ونفسي، وهو ما يعوق الاستمتاع بالحياة والقيام بأنشطة أخرى مفيدة. وعند التقدم بالعمر، يكون الأولاد قد كبروا، والتمسك بالوظيفة قد يحرم الشخص من فرص جديدة للاستمتاع بالوقت مع الأسرة، وخاصة الأحفاد، والاهتمام بالهوايات، والمشاركة في أنشطة ثقافية واجتماعية مختلفة.
وتلفت إلى أن التمديد سلاح ذو حدين، إذ يمكن أن يؤدي إلى البطالة المقنعة وتمضية الوقت في التسلية، ويمكن في الوقت ذاته الإفادة من خبرات المتقاعدين ونقلها إلى الأجيال الجديدة من العاملين الشباب.
وتشير السهلي إلى أن هناك دراسات اجتماعية تدل على أن التقاعد المبكر قد يعود بالنفع الصحي على بعض الفئات، خاصة من يعملون في وظائف مرهقة بدنيًا، إذ أظهر التقاعد في هذه الحالة ارتباطًا بانخفاض احتمالات الإصابة بأمراض القلب والسكري.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية