الإثنين, 6 أكتوبر 2025 07:19 PM

تحقيقات مع رموز النظام السوري السابق: هل تحقق العدالة الانتقالية؟

تحقيقات مع رموز النظام السوري السابق: هل تحقق العدالة الانتقالية؟

يتطلع السوريون، وخاصة المتضررون من النظام السوري السابق، من الناجين من المعتقلات أو ذوي الضحايا والمفقودين، إلى بداية حقيقية لمسار العدالة الانتقالية، من خلال محاسبة الرموز الذين تسببوا في مأساتهم خلال سنوات حكم الأسدين، حافظ وبشار. وترتبط هذه المحاسبة بوضع أسس تضمن حقوق السوريين، في ظل قوانين وصفها حقوقيون بأنها "قاصرة"، حيث لا تتضمن القوانين السارية اتهامات تتعلق بـ "جرائم الحرب" أو "جرائم ضد الإنسانية"، بل توجه لهم تهم جنائية مثل القتل العمد والتحريض على الحرب الأهلية.

يخضع عدد من رموز النظام السابق للتحقيق، بعد أن ألقت القوى الأمنية في الحكومة السورية القبض عليهم في فترات متفرقة. ومن أبرز هؤلاء: وسيم الأسد، أحد أقارب الرئيس المخلوع بشار الأسد، والمفتي السابق أحمد حسون، ووزير الداخلية الأسبق محمد الشعار، والرئيس الأسبق لإدارة المخابرات الجوية إبراهيم حويجة، وعاطف نجيب الذي تسلم إدارة الأمن العسكري خلال فترة انطلاق الثورة السورية، والمتهم بالتسبب في إشعال شرارتها عبر اعتقال وتعذيب عدد من الأطفال.

قضية وسيم الأسد تتصدر المشهد

عادت القضية إلى الواجهة بعد أن بثت وزارة العدل تسجيلًا مصورًا، معلنة تحريك النائب العام الدعوى ضد وسيم الأسد، بتهم تشكيل وتمويل مجموعات مسلحة رديفة لـ "الفرقة الرابعة" ضمن الجيش السابق، والتي ارتكبت "جرائم قتل"، بالإضافة إلى تورطه في تجارة المخدرات واستغلال قرابته بالرئيس المخلوع ضمن الدوائر الحكومية لتحقيق مكاسب مادية.

أعلن النائب العام، في التسجيل الذي عرضته الوزارة في 30 أيلول الماضي، إحالة وسيم الأسد إلى قاضي التحقيق، بعد تحريك دعوى الحق العام بتهم القتل العمد والتمهيد للجناية والتسهيل لها، والقتل قصدًا والتحريض والاشتراك فيه، والاعتداء الذي يستهدف إثارة الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي، وإثارة النعرات المذهبية والعنصرية، والحض على النزاع بين الطوائف، وصرف النفوذ مقابل منفعة مادية، وتجارة المخدرات. ودعا النائب العام المتضررين من وسيم الأسد إلى تقديم الأدلة والبيّنات لضمها إلى ملف التحقيق. وكانت الوزارة قد بثت تسجيلًا في آب الماضي تضمن توجيه قاضي التحقيق تهمًا مماثلة لكل من حسون وحويجة والشعار ونجيب.

أوضح المدير التنفيذي لـ "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، أن المتهمين الخمسة موجودون حاليًا في النيابة والتحقيقات جارية بحقهم، وقد يبقون قيد الحجز لفترات طويلة قبل إحالتهم إلى المحكمة. وأشار إلى إمكانية محاكمتهم وفقًا لقانون العقوبات السوري الحالي، نظرًا لارتكابهم العديد من "الجرائم"، مع إمكانية تعديل القانون بعد تشكيل مجلس الشعب ليشمل "جرائم ضد الإنسانية" و"جرائم الحرب". ولفت إلى أن المجلس التشريعي المزمع تشكيله يمكن أن يشكل محكمة خاصة لمحاكمتهم وفقًا لقوانين تشمل "جرائم الحرب" و"جرائم ضد الإنسانية".

"قصور" في القانون السوري يعيق العدالة

أكد منصور العمري، الحقوقي السوري الحاصل على درجة الماجستير في العدالة الانتقالية والصراع، أن وزارة العدل لم توجه اتهامات ضمن إطار "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، بل استندت إلى مواد القانون السوري. واعتبر العمري أن هذا "خلل كبير" ونتيجة طبيعية لما وصفه بـ "قصور القانون السوري" وعدم تضمنه تعريفات لهذه الجرائم، مستثنيًا حالة حويجة بحسب تاريخ ارتكاب التهم الموجهة إليه. ويرى العمري أن هذا الخلل سينعكس سلبًا وله تداعيات جدية على مستويات عدة، منها العدالة الجنائية وأركان العدالة الانتقالية، بما في ذلك جبر الضرر والسردية التاريخية وذاكرة السوريين. وأوضح أن توثيق الجرائم بمسمياتها الحقيقية هو ركن أساسي في بناء السردية التاريخية للنزاع، وهو جزء لا يتجزأ من العدالة الانتقالية. وأشار إلى أن عدم استخدام التوصيف الحقيقي سيؤدي إلى تحريف الذاكرة الجماعية وعدم الاعتراف القانوني بمدى "فداحة هذه الجرائم".

تشير الجرائم ضد الإنسانية إلى جرائم معينة تُرتكب كجزء من هجمات واسعة النطاق أو ممنهجة ضد السكان المدنيين، وهي تصدم ضمير البشرية نفسها. عُقدت أول محاكمة استخدمت هذا المصطلح عندما تمت محاكمة القادة النازيين في نورنبيرغ في القرن الماضي، ردًا على "أهوال الهولكوست". منظمة العفو الدولية

النتائج السلبية المحتملة

يرى منصور العمري أن وسيم الأسد قد يفلت من تهم محتملة بـ "جرائم الحرب" أو "الجرائم ضد الإنسانية" نتيجة "قصور" القانون السوري، وبالتالي فإن الإجراءات القضائية الحالية تمنحه البراءة من هذه التهم. ووفقًا للحقوقي المتخصص في قضايا العدالة الانتقالية، إذا تمت إدانة وسيم الأسد بالتهم الموجهة إليه بما فيها القتل، دون محاكمته على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فستكون من النتائج:

  • إذا قال أحد الضحايا إن وسيم الأسد مجرم حرب أو ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو اتهمه بذلك، يحق لوسيم الأسد مقاضاة الضحية بتهم التشهير والقدح والذم وربما الافتراء عليه بموجب القانون السوري.
  • إذا ورد في أي خبر أو نص أو تقرير صادر عن هيئة العدالة الانتقالية بأن وسيم الأسد ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، أو كان حلقة في سلسلة هذه الجرائم، سيحق لوسيم الادعاء على هذه الجهة ومقاضاتها وربما المطالبة بالتعويض.
  • بالتالي، ستضطر هيئة العدالة الانتقالية لإخفاء الحقيقة عن الضحايا والسوريين لتفادي ارتكابها جرائم التشهير والذم والقدح وربما الافتراء.

يُعرّف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جرائم الحرب، من بين أمور أخرى، على أنها "الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات الدولية المسلحة" و"الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي". منظمة الصليب الأحمر الدولي

وأشار إلى أن هذه مجرد واحدة من التداعيات "الخطيرة والمخلة" بعمل "هيئة العدالة الانتقالية"، والتي تقوض أسس عملية العدالة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بحق الضحايا في معرفة الحقيقة وتدوين السردية التاريخية. "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" هي هيئة مستقلة أعلن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تشكيلها ضمن المرسوم رقم "20"، وتعنى بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب بها النظام السابق، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية. لاقت "الهيئة" ترحيبًا دوليًا، إلا أنها تلقت انتقادات في المقابل، منها تحذير منظمة "العفو الدولية الدولية" من أن الصلاحية المحدودة تقوّض مصداقيتها وتقصي العديد من الضحايا.

“هيئة العدالة الانتقالية”.. ترحيب تشوبه تحفظات حول التشاركية

دعوات لإيقاف المحاكمات وتعديل القوانين

طالب الحقوقي العمري بإيقاف أي محاكمات بحق المتهمين من رموز النظام السابق، ريثما تتم مناقشة القانون الحالي، داعيًا إلى تعديله أو تشكيل محكمة هجينة تعتمد القانون الدولي والوطني، ويتضمن نظامها الداخلي "جرائم الحرب" و"الجرائم ضد الإنسانية"، لحماية الحقوق والعدالة الانتقالية بتعريفها الواسع. ومنذ سقوط النظام، توالت عمليات القبض على شخصيات ارتبط اسمها بارتكاب انتهاكات بحق السوريين، إلا أنه لم يعلن حتى اللحظة عن أي محاكمات بحقهم، مكتفين بتوجيه التهم من النائب العام أو جمع الأدلة والتحقيق. كما لم تشر الحكومة، ومن ضمنها وزارة العدل، إلى تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة مرتكبي الانتهاكات خلال فترة حكم النظام السابق، أو أنها ستحاكمهم وفقًا للقوانين السارية. ووفقًا للمادة "44" من الإعلان الدستوري المؤقت، "تنشأ المحاكم وتحدد اختصاصاتها بقانون، ويحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية"، ما يشير إلى ارتباطها بعقد مجلس الشعب المقبل. توجهت عنب بلدي إلى المكتب الإعلامي لوزارة العدل للسؤال حول إمكانية إنشاء محكمة خاصة، إلا أنها لم تتلق ردًا حتى لحظة تحرير التقرير.

حقيقة الحكم بالإعدام على مسؤولين سابقين

نفت وزارة العدل، في 2 تشرين الأول الحالي، صدور أحكام بالإعدام بحق عدد من المسؤولين في نظام الأسد، بعد أن تداول مستخدمون في مواقع التواصل الاجتماعي إشاعات تتعلق بالمسؤولين السابقين. وأفادت الإشاعات بصدور أحكام بحق حسون وحويجة والشعار ونجيب. وقال المكتب الإعلامي في وزارة العدل لوكالة الأنباء الرسمية (سانا) إن الأسماء المذكورة لا تزال قيد التحقيق والمحاكمة، ولم يصدر بحقها أي حكم قضائي حتى تاريخه. وأوضح المكتب أن ما تم تداوله من معلومات لا يستند إلى أي مصدر رسمي، مشددًا على ضرورة تحري الدقة والموضوعية في نقل الأخبار القضائية، والاعتماد على البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية. وأثارت هذه الإشاعات التساؤلات حول إمكانية تطبيق حكم الإعدام بالأسماء المذكورة. الحقوقي منصور العمري قال إن العقوبات بما فيها الإعدام يحددها القانون المعتمد في سوريا، مشيرًا إلى أن العقوبة ليست محظورة في القانون الدولي، ولكن بعض المحاكم لا تجيز الإعدام، مثل المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف أنه إذا تم اعتماد القانون الوطني للمحاكمة، فالإعدام جائز، مؤكدًا في الوقت ذاته أنهم لن يحاكموا بتهم "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية".

مشاركة المقال: